11/13

برغم تراجع حدّة وزخم المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات في شوارع المملكة، مقارنةً بالساعات الأولى التي أعقبت قرار الحكومة إلغاء الدعم عن أسعار المحروقات (واستبداله بدعم نقدي للأفراد)، إلاّ أنّنا لا نشاهد نهايةً معلنة أو توافقية لهذه الاحتجاجات وأسبابها وتداعياتها!اضافة اعلان
ما تزال قوى المعارضة، التقليدية والجديدة، تتمسّك بالشارع، وتعلن يومياً عن مسائيات وفعاليات، كما هي حال الجبهة الوطنية للإصلاح التي تعدّ لمسيرة كبيرة يوم الجمعة المقبل. وتصر المعارضة على مطالب أساسية؛ تجميد قرار إلغاء الدعم، وحكومة إنقاذ وطني، وإعادة النظر في المسار الانتخابي. أمّا الحكومة، فتشعر أنّها تجاوزت "الذروة" واحتوت الانفعالات الكبرى، وتصر على المضي قدماً في الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، والالتزام بموعد الانتخابات النيابية، وترفض أي تغيير على ذلك.
ذلك يعني أنّنا، عملياً، أمام أزمة مفتوحة، ونسير في "حقل ألغام" مليء بالمتفجرات. هي حالة، بالضرورة، تثير القلق والخوف لدى الجميع، بخاصة أنّ الحكومات القادمة مقبلة على خطوات جديدة في إلغاء الدعم والالتزام باتفاقية صندوق النقد الدولي، والمعارضة ما تزال في شارع محتقن محبط ومرتبك، يقع تحت ضغوط اقتصادية، ويحكمه مزاج سلبي تجاه الحكومة أو المعارضة؛ سواء شارك في الاعتصامات أو جلس في منزله. فالوضع الحالي غير صحّي، وليس مريحاً، ولا يجوز الإطمئنان إليه، حتى لو فتُرت تلك الاحتجاجات.
هذا "المناخ العام" يعيد طرح السؤال المهم والمحوري: هل استنفدنا فعلاً الحلول والخيارات للخروج من حالة الاستقطاب والاستعصاء ومحاولات تجنب الصدام مع المعارضة أو الانفجار على خلفية الأوضاع الاقتصادية وإدارة الأزمة السياسية؟
إذا أردنا الخروج من الوضع الراهن فعلاً، والتفكير بصورة أكثر مسؤولية وعمقاً تجاه البلاد والعباد وتجنيب الجميع سيناريوهات ليست في صالح أي منا، ولا تخدم أحداًَ، فعلينا أن نخرج من الرؤية الأحادية العقيمة، ومن لغة التخوين والتآمر والتجييش والمكاسرة. ويكون ذلك في تدخل يتجاوز الحكومة؛ فتُدعى شخصيات عقلانية مسؤولة من مختلف الألوان، لأن تتحاور في غرف مغلقة، بهدوء وعقلانية، لساعات طويلة وبروح وطنية ومسؤولة، وتفكّر كما يفكّر الفريق الواحد (لا فرقاء أو أعداء)، لتخرج بوصفات توافقية للمأزق الراهن، تؤول إلى تقوية الجبهة الداخلية وتصليبها لمواجهة استحقاقات إقليمية ومحلية في لحظة حساسة ودقيقة من تاريخ البلاد والمنطقة. ثم إذا فشلنا بعدها، نكون قد أيقنّا أنّ الحلول التوافقية ليست ممكنة!
الأردن بعد 13/11 ليس كما كان عليه قبلُ، ولعلّ المقارنة بالـ(89) غير دقيقة أيضاً؛ فالمأزق اليوم أكثر تعقيداً وأوسع انتشاراً، وما حدث في أيام قليلة أمرٌ جلل وخطر وكبير، أرجو ألا نسخّفه أو نختزله، وفي الوقت نفسه أن لا نضخّمه؛ فعلينا قراءته بجدّية ووطنية ومسؤولية، على صعيد التقاليد السياسية التي كُسرت، أو تلك التي تهشّمت، أو على مستوى العقد الاجتماعي، أو حتى في المقابل استراتيجية الدولة وآلياتها في إدارة الصراع.
من الخطر أن يكون الوطن ميداناً للمزاودة والإقصاء والتخوين. أمّا القراءة البائسة السطحية التي يخرج علينا بها البعض؛ من مع الدولة ومن ضدها، ومن هي النخبة الوطنية وتلك المتخاذلة (التي كُشف أمرها!)، مثل هذه القراءة كارثية و"مكارثية"، تنمّ عن عقلية متحجرة ومأزومة. فالوطنية ليست بعقلية القطيع ولا بالنفاق والمزاودة على الآخرين. الذي يخشى على بلاده ويتقي الله في مستقبل أبنائنا، هو من يقول رأيه بصدق، مهما كانت كلفته، فلا يكذب ولا ينافق، مع أيّ طرف كان. الخوف ليس ممن يصدق مع الحكومة حتى لو خالفها، بل مع من ينافقها ويخدعها، لأنّه أول من يتخلّى عنها عندما تصطدم مع مصالحه؛ أليس نواب الموالاة هم من بدأوا يحتجون ويهددون بالطعن بعدم دستورية الإرادة الملكية بعدم بطلان القانون المؤقت المعدل لقانون التقاعد؟!

[email protected]