16 تعهدا و100 يوم

قدمت الحكومة بيانها الوزاري للنواب، ودخلت في حوارات مع الكتل المختلفة لتأمين عبور مريح للثقة، وعليها أن تجلس منذ الأحد المقبل وحتى الخميس كما هو متوقع تحت القبة وتستمع لخطابات النواب حول قضايا مختلفة، وربما لكلمات جارحة بحق فريقها الوزاري.

اضافة اعلان

الصدمة الأولى لحظة الدخول تحت القبة انتهت، وأخذ كل فريق الانطباع الأولي عن مدى تقبل الطرف الآخر له، فشكل النواب رأيهم عن الحكومة الجديدة، كما أن الحكومة بشكلها الجديد ورئيسها الذي قدم بيانه الوزاري بلهجة الواثق الحاضر ذهنيا شكلا الانطباعات ذاتها، هذا يعني أن كل فريق خبر الطرف الآخر وبات الموضوع أكثر وضوحا بالنسبة له.

الرئيس قدم بيانه وأوضح فيه فكرته حول العقد الاجتماعي ومفهومه له، ومن المؤكد أن ما قاله كان واضحا ومحددا وأساسه دولة قانون ومؤسسات ومواطنة وعدالة اجتماعية يؤسس لدولة مدنية حضارية ليس بمفهومها الذي يحاول البعض تشويه فكرته من خلال القول إن الدولة المدنية تعني انحلالا وابتعادا عن الدين ولكن بمفهومها المدني، وهو الانتقال من فكرة الدولة الرعوية الى الفكرة الجامعة دولة القانون والمؤسسات التي نضمن من خلالها التأسيس لإصلاح حقيقي وحرية ومحاربة فساد.

البيان الوزاري قد ينظر له البعض بأنه مخيب للآمال وقد يراه فريق آخر خلاف ذلك، وهذا حق طبيعي؛ فالاختلاف في الرؤى ووجهات النظر صحي، فالبعض قد يكون قد علق آمالا واسعة على الرجل ووضع تصورات، والبعض الآخر اتخذ منه موقفا منذ ساعة التشكيل الأولى وصنفه باتجاه الليبراليين، بيد أن المهم هو التعامل مع البيان بمفهومه الشمولي العام الذي يقوم على المحاسبة إن جرى إخفاق وتعزيز فكر المكاشفة في منحنيات أخرى.

المهم أن تستطيع الحكومة ورئيسها تطبيق ما تحدثا به وأن يتم تعزيز مفهوم المصارحة بين المواطن والمسؤول، ورؤية سواد ما تم الإشارة له في البيان لأفعال على أرض الواقع، وأن نسمع عن رؤى قابلة للتطبيق والتنفيذ، بحيث لا تتحول الكلمات التي وردت في البيان لمجرد كلمات مستهلكة.

وضعت الحكومة بلسان رئيسها لنفسها 100 يوم لتنفيذ 16 تعهدا عددتها في بيانها الوزاري، ومن بين تلك التعهدات ما قامت بالعمل على تنفيذه منذ اليوم الأول لأداء القسم، بيد أن ذلك لا يكفي لتحقيق الرؤى التي يطلبها الأردنيون من الحكومة والثقة التي يولونها للرئيس عمر الرزاز الذي يمتلك في ذاكرة الناس ذكرا طيبا إبان كان وزيرا للتربية والتعليم وحقق في الوزارة إنجازات استطاع من خلالها الدخول لقلوب الناس.

ربما يريد الناس -أنا منهم- والرأي العام أيضا أن يرى حلحلة للكثير من القضايا العالقة وأبرزها الاعتماد الدائم على جيب المواطن لمعالجة الاختلالات في المالية العامة، وربما يريدون وضوحا في الرؤى الإصلاحية، وكذا محاربة جدية وحقيقية للفساد بحيث تشمل كل فاسد كبر أو صغر، وشفافية ومكاشفة في التعامل مع القضايا المصيرية والمهمة، وولاية عامة حقيقية بحيث تكون السلطة التنفيذية المسؤول الأول والأخير عن كل مفاصل الدولة، وتعزيز مفهوم الحريات العامة بما ينسجم مع احترام الرأي والرأي الآخر.

الأردنيون ملوا الوعود والكلام من دون نتيجة، وملوا أيضا الطلب منهم شد الأحزمة والوعد بانفراجات قريبة، فكل ذلك جربوه، ولم يتحقق حتى الآن من تلك الوعود شيء، لذا تراهم بين مشككين بأي وعد جديد ومتخوفين من عواقب الأمور، ولهذا فإن كسر حاجز عدم الثقة بين المسؤول والمواطن ركن أساس من أركان الشفافية التي نطالب الحكومة باعتمادها كمنهج عمل مستقبلي.

بالمجمل، من حق مجلس النواب كسلطة تشريعية ورقابية مناقشة بيان الثقة، ومن حق النواب التصريح بوجهات نظرهم، ولكن ليس من حق أحد من الطرفين (الحكومة والنواب) احتكار الحقيقة واعتبار أنفسهم مالكيها حصرا، ولذا فإن الأمل معقود أن نشهد الأحد مناقشات ترقى لمفهوم النقاش والحوار بين سلطتين وتقديم أفكار من شأنها الخروج من عنق الزجاجة.