2018 طبيا: إنجازات كبيرة، ولكن!

كان العام المنصرم حافلا بالإنجازات الطبية على مختلف الصُعُد فعلى صعيد علاج السرطان فقد شهد العالم نقلة نوعية في العلاج المناعي من خلال إعادة تأهيل الخلايا المناعية الذاتية للمريض خارج الجسم ثم اعادتها ثانية لتقوم بدورها المعطل في مقاومة الخلايا السرطانية. كما كان لإصلاح الطفرات الجينية حيز على أجندة العام المنصرم من خلال علاج يعتبر باكورة اتجاه مهم في علاج السرطان بحيث يتم توجيه العلاج الى الطفرة الجينية المسؤولة عن الورم. وعلى صعيد الجينات أيضاً فلا يمكن أن نمر مرور الكرام على ما قام به احد الباحثين الصينيين من خلال التلاعب بأحد الجينات لطفلين توأمين مانحا اياهما مقاومة لمرض نقص المناعة المكتسبة، ورغم المعضلة الأخلاقية والجدل الواسع الذي أثاره هذا الإعلان إلا أنه قد يفتح الباب على مصراعيه مستقبلا لعلاج الكثير من الامراض الوراثية والجينية. كما شهد العام المنصرم ولادة أول طفل من رحم تمت زراعته لإمرأة تم الحصول عليه من جسد سيدة متوفاة مجسداً الآية القرآنية " يخرج الحي من الميت ". أما مرضى الشلل فقد أعطتهم التكنولوجيا بصيص أمل من خلال جهاز كهربائي يتم زراعته حول العمود الفقري ويعمل على تقوية الاشارات التي يرسلها الدماغ إلى القدمين. اما الاناث المعرضات للإصابة بالعقم نتيجة بعض أدوية السرطان حال تعرضن لها في سن مبكرة، فقد قام العلماء ولأول مرة بانتاج بويضات خارج الرحم من خلال خلايا المبيض المجمدة. هذا غيض من فيض ما شهدته الساحة الطبية في العام المنصرم وهي تبشر بمستقبل مشرق يساهم في رفاه الانسان لكن هذه الصورة المشرقة لم تكن بلا تشويش من خلال ازدياد الفجوة وغياب العدالة بين الدول الغنية والفقيرة وحتى داخل المجتمع الواحد بين أغنياء قادرين على التمتع برعاية صحية ضمن أحدث ما توصل اليه العلم وفقراء يفتقدون الى أبسط أنواع الرعاية الصحية. كما عادت المجاعة وسوء التغذية لتنهش أجساد البشر وخاصة الاطفال وللأسف كان نصيب الوطن العربي المبتلي بالفقر والجهل والاستبداد وافرا حيث استأثر اليمن المنكوب بأبنائه واخوانه بالعدد الأكبر من الاطفال المصابين بسوء التغذية حيث يتوفى يوميا العشرات منهم بينما تقدر المؤسسات الدولية أن أكثر من نصف اليمنيين يعانون من نقص الغذاء، كما ابت الكوليرا إلا أن تفرض نفسها على الساحة منشبة مخالبها في اجساد أكثر من مليون يمني. كما تسببت الحروب بالعديد من الأمراض النفسية حيث يعاني اللاجئون والمهجرون وأهالي الضحايا من أمراض نفسية في ظل غياب أي رعاية نفسية لهم مما ينبئ بكارثة ستلازمهم طويلاً. ولم ينج العاملون في القطاع الصحي من ويلات الحروب فكانوا في أكثر من مكان "هدفاً مشروعاً" للاطراف المتصارعة. ولم يشأ العام أن يغادرنا إلا على وقع فضيحة هزت الأوساط العلمية بعد الكشف عن تورط أحد الاسماء البارزة في مجال ابحاث السرطان في علاقات مالية غير نظيفة مع عدد من شركات الأدوية مما سيلقي بظلال من الشك على مصداقية الابحاث الطبية. ولا يمكن ان استعرض احداث العام الفائت دون الاشارة إلى الحكم اللافت الذي اصدرته احدى محاكم لوس انجلوس ضد روبرت يونغ صاحب نظرية علاج السرطان من خلال الغذاء القلوي وتغريمه مبلغ 105 ملايين دولار لصالح احد مرضى السرطان مما شكل ضربة موجعة لمدعي "الطب البديل". لقد غربت شمس 2018 حاملة معها ذكرى عام راحل بنجاحاته وويلاته، ومؤذنة بشروق شمس عام وليد نسأل الله أن يكون أكثر اشراقاً وأقل قسوة.اضافة اعلان