2018 عام الدولة المدنية

في تلافيف الدولة هناك من هو ضد مفهوم الدولة المدنية، ولنقلها بصراحةٍ، هناك من يوتره حديث سيادة القانون، وترعبه فكرة أن الأردنيين أمام القانون سواء، وهم فئةُ نعرفهم، ونعرف طرق تكسبهم ومواقعهم وخلفياتهم الفكرية وسلوكياتهم الريعية، والأردنيون عندهم إما "واصل" أو "فهلوي" تبرر الغاية عند كل منهم الوسيلة، حيث تكون مصلحته الشخصية فوق مصلحة الوطن. اضافة اعلان
وهناك فئة لم تصلها استراتيجية جلالة الملك -كما طرحها في أوراقه النقاشية- تلك الاستراتيجية التي قدمت حل الدولة المدنية، القائمة على سيادة القانون وتكافؤ الفرص وسيادة العقل والعلم واحترام الدين والتدين، باعتبارها طريقاً لخلاص الأردن السياسي والاقتصادي وللانتقال من الدولة الريعية اقتصادياً وسياسياً إلى الدولة التي تعتمد على ذاتها وتملك زمام القرار السياسي والاقتصادي.
بدأت فكرة الدولة المدنية غريبة وشكك فيها الناس كثيراً، قاومتها أحزاب التوجهات الدينية بضراوة وقد هاجمتها تلك الأحزاب من خاصرة دعوتها للحريات الفردية والعامة، فحاولوا وصمها بوسم "اللاأخلاقية " تارة  أو أنها دولة ضد الدين والتدين تارة أخرى. ولكن نجح دعاة الدولة المدنية إلى حدٍ ما في رد هاتين التهمتين من خلال التأكيد على أن الدولة المدنية هي راعية للدين والتدين باعتبارهما من صميم الحريات التي كفلها الدستور. وهنا استشعرت الأحزاب الدينية القبول الشعبي -وخاصة الشبابي- لفكرة الدولة المدنية فركبوا الموجة، وصرح قادتها في أكثر من مرة أنهم مع مفهوم الدولة المدنية بـ"مرجعية دينية" وهو مفهوم ملتبس، ذلك أن الدول المدنية مرجعيتها الدستور، الذي بدوره يضمن حرية التدين وممارسة الشعائر الدينية، ومع ذلك فإن تبني تلك الأحزاب لفكرة الدولة المدنية ينم عن حقيقة تلمس تلك الأحزاب للقبول الشعبي لفكرتها. وهنا انتقلت تلك الأحزاب لمهاجمة شخوص من يدعون للدولة المدنية وهذا متوقع وعادي!
وفي هذا الصدد غالباً ما يطرح سؤال "المشككين" في حقيقة وجود الإرادة السياسية للإصلاح بالقول: لماذا لم يتدخل الملك لـ"فرض" الدولة المدنية؟ والصحيح أن الواقع العملي اليوم على المستوى الشعبي الشبابي يعتبر رداً عملياً على هذا التساؤل، ذلك أن هذا التحول الشبابي الذي وقفنا عليه خلال العمل في أكثر من تجربة لتأسيس حزب للدولة المدنية يثبت أن هذه الفكرة يجب أن تنطلق من الناس ومن الشباب خاصة، وأن أي إملاء لها كان ليجعلها سحابة صيف، وأن تكريسها في الواقع ومن الواقع هو الحل الأمثل لتأسيسها واستمراريتها.
دعوني اُذيع لكم سراً؛ بعد مشاركة شخصية في أكثر من تجربتين لتأسيس حزب يقوم على فكرة الدولة المدنية أستطيع القول بثقة: إن فكرة الدولة المدنية أصبحت اليوم فكرة أردنية شبابية، وبدأت تأخذ موقعها في الشارع السياسي الأردني، وصار لها مريدوها في أنحاء الوطن كافة، وأغلبهم من الشباب الذين راق لهم طريقها فهي تقدِمُهم للمسرح السياسي وتعطيهم الفرصة للمشاركة في الحكم برؤية وطنية للأردن القوي القادر على تجاوز المحن والصعوبات، أردن الحريات العامة والفردية. وإن مؤيدي تلك الفكرة والداعين إليها ينتشرون في جميع أنحاء المملكة أغلبهم شباب ومثقفون ورواد عمل اجتماعي وشباب مستقلون، وأيضاً منهم رجال دولة، حاليون وسابقون، ففكرة الدولة المدنية صارت نتاجا محليا أردنيا وهي قادمة لا محالة، وعلى التأكيد فإن حزب الدولة المدنية لن يكون حزب شخص أو حزب رمز بل حزب فكرة وقضية، قلبه الأردن والأردنيون ومصالحهم اليومية والوطنية، وهو لكل من يعمل لخدمته، والحزب والأحزاب التي تقوم على فكرة الدولة المدنية أمست حقيقة واقعة وأن وجودها في البرلمان مسألة وقت، ولهذا فإن قراراً برفض تأسيس أو إشهار حزب لها لن يعطل المسيرة، وعام 2018 لناظره قريب.