2019: المزيد من الثورات العربية، ولكنْ كَم مِن التغيير؟

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة تقرير خاص - (الإيكونوميست) 26/12/2019 تسعة أعوام مضت على قيام محمد البوعزيزي؛ بائع الفاكهة التونسي الذي يئس من المسؤولين الفاسدين وقلة العمل، بإحراق نفسه. وقد ألهم عمله تصاعد انتفاضات "الربيع العربي" التي أطاحت بزعماء أربع دول. ولم يتم إطلاق اسم على موجة الاحتجاجات الجديدة التي اجتاحت المنطقة في العام 2019. ومع ذلك، سقط من القادة العرب في هذا العام أكثر مما سقط منهم في العام 2011، بينما ردد ملايين المتظاهرين بصوت عال شكاوى البوعزيزي نفسها. كان عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر، هو أول المغادرين؛ حيث تنحى في نيسان (أبريل) في مواجهة الاحتجاجات المحلية بعد 20 عاماً من الحكم الديكتاتوري. وبعد أكثر من أسبوع بقليل، أطيح بعمر البشير، الذي أمضى ثلاثة عقود على قمة السلطة في السودان، بفعل مزيج من الاحتجاجات في الشوارع وتدخل الجيش. واعتقد المتظاهرون أن كلا الزعيمين تجاوزا كثيراً فترة الترحيب بهما، من دون أن يحققا أي تغيير حقيقي. وبعد ذلك، وقع جنرالات السودان اتفاقاً لتقاسم السلطة مع قادة حركة الاحتجاج في آب (أغسطس). لكن الانتخابات التي أجريت في الجزائر نُظِرَ إليها على نطاق واسع على أنها محاولة لإعادة تخندُق أعضاء النظام القديم. الآن، تتواصل المظاهرات في الجزائر وأماكن أخرى. وفي العراق ولبنان أسقط المحتجون رؤساء الوزراء، لكن الكثيرين منهم يريدون التخلص من الأنظمة السياسية السائدة في البلدين برمتها. وتقوم الدولتان بتوزيع السلطة بين الأديان والطوائف للحفاظ على السلام بينها. وأدى ذلك إلى استشراء الفساد وسوء الإدارة. وفي العراق، ردت السلطات على الاضطرابات بالعنف، فقتلت المئات. وفي الأثناء، غرق لبنان في أزمة اقتصادية طاحنة. ودعمت إيران، التي تتمتع بنفوذ في كلا البلدين، أولئك الذين يقاومون التغيير. لكن الاحتجاجات هزتها هي أيضاً بسبب ارتفاع أسعار الوقود التي تسيطر عليها الدولة. بدأ الرئيس حسن روحاني العام المنصرم بإعلان أن إيران تواجه أسوأ مأزق اقتصادي منذ أربعة عقود. وألقى باللوم في ذلك على حملة "الضغط الأقصى" التي يشنها نظيره الأميركي، دونالد ترامب. وكان الرئيس ترامب قد تخلص في العام 2018 من الصفقة التي كبحت جماح البرنامج النووي الإيراني مقابل الإغاثة الاقتصادية. ومنذ ذلك الحين قام بفرض عقوبات مختلفة على إيران. وبعد أن وجدت نفسها معزولة عن الاقتصاد العالمي، ضربت إيران حولها كيفما اتفق في العام 2019. كما كثفت نشاطها النووي، في خرق للصفقة أثار استياء الدول الأوروبية الموقعة عليها. كما تم الاشتباه بتورطها في مهاجمة الشحن التجاري والمنشآت النفطية السعودية، ثم قيامها بإسقاط طائرة مسيّرة أميركية، مما دفع الرئيس ترامب إلى الأمر بتوجيه ضربة عسكرية ضد أهداف إيرانية قبل أن يتراجع عنها في اللحظات الأخيرة. كان هذا العام المنقضي منسجما مع نفس نوع أعوام الرئيس ترامب في الشرق الأوسط. فقد أنهى العام 2018 بالانسحاب من سورية التي مزقتها الحرب -أو بقوله أنه سيفعل ذلك على الأقل. وكان حوالي 1.000 جندي أميركي ما يزالون هناك في تشرين الأول (أكتوبر)، عندما أمر السيد ترامب بعضهم بالتخلي عن مواقعهم في الشمال حيث كانوا يراقبون جهاديي "داعش". وأعطى ذلك الانسحاب الضوء الأخضر لتركيا لتقوم بإخراج حلفاء أميركا الأكراد من منطقة عازلة، بطريقة أدت إلى شل شبه الدولة التي كانوا قد أنشأوها في المنطقة. كما سمح ذلك لإيران وروسيا، اللتين أنقذتا نظام بشار الأسد، بممارسة المزيد من النفوذ في سورية. ويبدو أن الأسد يستعد الآن لاستعادة إدلب، آخر محافظة يسيطر عليها المتمردون من العرب السنة. لكنه يحكم بلداً بائساً ومقسماً مع ذلك. كما أن إسرائيل المجاورة مقسمة أيضاً. وكانت قد عقدت جولتي انتخابات غير حاسمتين في العام 2019، وسوف تجري جولة أخرى في آذار (مارس). وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، وُجهت إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اتهامات بالرشوة والاحتيال في ثلاث قضايا فساد. وقد نفى نتنياهو ارتكاب أي مخالفات، ووصف لوائح الاتهام بأنها "انقلاب" ووعد بخوض الانتخابات المقبلة. وكان قد تفاخر في الحملات السابقة بعلاقته بالرئيس ترامب الذي اعترفت إدارته بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة. وفي الوقت نفسه، فشل الجزء الاقتصادي من صفقة السلام الإسرائيلية الفلسطينية "النهائية" للسيد ترامب في إثارة أي إعجاب. وقد لا يرى جزؤها السياسي النور أبداً. من جهتها، فقدت تونس أول رئيس منتخب ديمقراطياً، بيجي قائد السبسي، في تموز (يوليو)، عن عمر ناهز 92 عامًا. لكن انتخاب قيس سعيد، أستاذ القانون الخجول، في تشرين الأول (أكتوبر) جلب شعورًا جديدًا بالأمل إلى البلد الذي عانى من الفساد ومن اقتصاد فقير منذ اعتناق الديمقراطية. وبعد سماع خبر فوزه، تجمع الآلاف من التونسيين في العاصمة، وردد الكثيرون نفس الشعارات التي رددوها في أول أيام الربيع العربي. وتشكل تونس قصة النجاح الوحيدة من تلك الفترة من الاضطرابات. وبينما يواصل المحتجون الضغط من أجل التغيير في جميع أنحاء المنطقة، تبقى تونس منارة الأمل. *نشر هذا التقرير تحت عنوان: 2019 in review: More Arab revolutions, but how much change?اضافة اعلان