3 قصص واقعية مغلفة بالاجتهاد تعكس التطور بصناعة الأفلام محليا (فيديو)

3
3

إسراء الردايدة

عمّان - أفكار من وحي الواقع، قضايا آنية، جهد واضح يعكس التطور والرغبة في صنع فيلم جيد بالرغم من كونه الأول لهم، تمثل الأفلام الثلاثة الأردنية التي تتنافس في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة في مهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم.

اضافة اعلان

الأفلام الثلاثة هي: "جلدة" لمخرجه هادي شتات، "هدى" لمخرجته مي الغوطي، و"أحنّ إليكِ، أحنّ إلي" لفارس الرجوب، وجميعها أول أفلامهم، وقد تناولت قصصا من واقعنا تحمل بعدا إنسانيا، وتلتقط معاناة الأفراد في المجتمع وتغوص في عمق المدينة، وعلاقة ساكني عمان بها.

"هدى".. العنف المسكوت عنه

المخرجة مي الغوطي تطرح "هدى" ضمن 12 دقيقة، وتحكي في فيلمها معاناة هدى التي تتزوج على الرغم من معرفتها بالعنف الذي مارسه خطيبها قبل الزواج.

ولكنها فضلت التستر عليه كي لا يتركها، واستمر تعنيفه لها وضربها لسنوات بعد الزواج، وسكتت عنه، خوفا من أن يتخلى عنها مقابل نظرة المجتمع.

;feature=youtu.be&fbclid=IwAR0Yedw4K2cQn3x8SKslAnTb6iZrQ7Quurc1fhj5nTrvBu_qTKI-V9gCRRs

تقول الغوطي، في تصريح لـ"الغد"، إن اختيارها قضية العنف ضد المرأة مرتبط بقصص سمعت بها في محيطها، وتكررت لمرات عديدة على مدار الأعوام، وهي في ازدياد وانتشار.

وجاءت رغبتها بطرح هذا في فيلمها، كي تلقي الضوء على صمتهن، وتحفز شعورهن بمواجهة مصيرهن، بأن لا يسكتن عن معاناتهن، باحثة عن دور المجتمع والأهل في تعزيز العنف الأسري، والتنويه لدور الأهل في حماية بناتهن.

في "هدى"، حاولت الغوطي إظهار الانكسار الذي تعيشه الفتيات اللاتي يتعرضن للعنف، وسط تركيز كامل على جانب واحد من دون إظهار الطرف الآخر أو أي تفاعل من العائلة.

وعن تطوير فيلمها، تبين الغزي أنه جاء بدعم من الهيئة الملكية للأفلام، وأيضا ورش راوي التي طورت مهاراتها في رواية القصص وكتابة السيناريو، التي بحسبها، مهم في تطور مهارات صناع الأفلام، ويتيح لهم المجال لتبادل الخبرات مع صناع أفلام عرب وتنمية مهاراتهم.

“البؤساء”.. الظلم والوحشية بين السلطة والمجتمعات المهمشة

فيما المشاركة في المهرجان بالنسبة لها "إنجاز كبير" وهو مهرجان مهم، لافتة لأهمية قيامه على أرض الواقع وليس افتراضيا، وهو بحد ذاته نجاح باهر.

أما النتيجة فهي غير مهمة بالنسبة لها، فالفوز الحقيقي هو بمشاركتها به.


"جلدة".. كلنا نتشارك الهم والألم

فيلم لهادي شتات، محمل بالرمزية المستمدة من واقع صعب يفيض بألم ومعاناة في المجتمع.

قصة بسيطة هي بحث شاب عن جلدة ليوقف تدفق الماء من الصنبور، ولكنه ليس وحده، فالجميع يبحث عنها، تباع بسعر غال..

ملصق فيلم جلدة

رمزية عالية تعكس الحالة الصعبة التي نعيشها اليوم في واقع لا يخلو من التحديات والانكسارات، التعرض للاستغلال، المغالاة في الأسعار، الاكتئاب واليأس والإحباط الذي يعاني منه الكثيرون بسبب الأوضاع المحيطة.


فيلم "شتات" يقع في 6 دقائق، كانت كافية لتمثل تلك الحالة من خلال قصة بسيطة، وحالة تمثل الواقع من دون مغالاة في مدينة تشهد الكثير، خاصة الانقطاع وغياب التواصل، العزلة، والسيطرة.


"أحنّ إليكِ، أحنّ إلي"

للمخرج فارس الرجوب، ويقع في 21 دقيقة، يتناول العلاقة بين عمان المدينة وبين سكانها، كل شخصيات فيلمه تبحث عن هويتها، في محاولة الانتماء لمكان شهد تغيرات كثيرة.

فالمدينة أصبحت مزيجا من صورة مرتبطة بذكريات ومشاعر في الذاكرة، ولكن واقع الأمر مختلف تماما.


جالت كاميرا الرجوب في مدينة عمان وسط البلد، خاصة الأحياء القديمة منها، وفي الليل بالغالب، وكأنه ستار لكل التناقضات التي يعيشها كل فرد من شخصيات الفيلم، والصراع بداخلها وهي تبحث عن الحب والانتماء.

وقال المخرج الرجوب، في تصريح سابق خاص لـ"الغد": "إن صناعة محتوى عربي ليس بالأمر السهل، خاصة أن يكون ذلك المحتوى موجها لجمهوره، ولا يداعب الجمهور الغربي، اليوم نحن بحاجة لمحتوى يتحدث عنا ويخاطبنا، والأوجب أن نتعلم كيف نخاطب أنفسنا ونتحاور معها ومع من حولنا وكيف نفهم بعضنا بعضا".

وبحسب الرجوب، فإنه يوظف اللغة السينمائية البصرية للحديث عن تلك الهواجس التي يشعر بها، خاصة من خلال موضوعه الذي يسعى فيه لاكتشاف التوتر في المجتمع، والوصول لكل النواقص التي لم تكتمل في الإجابات والأفكار.

كما يحمل الفيلم جانبا شخصيا لمخرجه ممزوجا بهوية بصرية محلية من مدينة تجمع كل التناقضات فيها، وسط محاولة لخلق توازن بين الموضوع والمكان.

افتتاح ناجح لـ”عمّان السينمائي الدولي”

ويرى الرجوب "أن المحتوى إن ابتعد عن هويته وبيئته بات غريبا، الجمهور المحلي هو الأهم حاليا فيما أصنع، ومن خلاله نستطيع الوصول للعالم".

صناعة الفيلم القصير

أن تصنع فيلما ليس بالأمر السهل خاصة حين يكون قصيرا، فذلك يتطلب جهدا كبيرا؛ لتوظيف العناصر كافة فيه ليترجم فكرته من خلال الأدوات المتاحة، وهي ليس بالأمر السهل للمخرجين في أفلامهم الأولى.

فمثل هذا النوع من الأفلام "الروائية القصيرة" يتطلب من صانعه أن يجذب المشاهد من اللحظات الأولى، ويستغل الحيز الزمني ببراعة وبدقة على حساب القصة، ليحكيها بشكل كامل حتى وأن تشعر بأنها غير مكتلمة.

فهنالك فيلم واقعي يحمل رسالة، ويقدم أجوبة تتطلب خطا سرديا مستقيما، وهي غالبا ما ترتبط برؤية وثائقية للواقع باعتباره هدفا، وآخر يدفعك للتساؤل، للبحث والإبداع، يبقى مرتبطا بالكاتب والمخرج الذي يترجم هذا بلغة بصرية قوية جميلة، وكلاهما مغامرة بحد ذاته.

فالفيلم القصير قد يكون يتمتع بأسلوب تقني وتنفيذ جيد من حيث المعالجة الفنية، لكنه قد يبقى غير قادر على نقل عمق الشخصية فيه أو التفاعل مع الأداء واللغة الجسدية، فيغيب عنه عمق الموضوع، وحتى التقديم ليصبح مجرد مهارة بصرية.

وهنالك أيضا عوامل أخرى تتدخل في جعل الفيلم القصير ناجحا، وهي الخيال في تحريك الحكاية، بغض النظر عن المكان أو الزمان، خاصة في البناء والتسلسل، فكثير من الأعمال تتحول لسرد عادي، وأخرى تصبح تقريرية، وأفضلها هو ما يخلق جدلا، أو ما يحمل عمقا في صراع بسيط، فالفيلم القوي هو ما يناقش فكرة تثير التساؤل، وتؤجج العواطف وتشغل العقل.

وما يجعل الفيلم قويا عادة هو وجود "فكرة مثيرة وأصلية"، فالأفكار الأصلية ليست سهلة الوصول، ولكن طريقة جيدة لتجنب الأفكار clichéd الكليشية، ويتحقق ذلك بمشاهدة الكثير من الأفلام القصيرة الأخرى.

وحتى لو لم تكن فكرتك أصلية تمامًا، حاول النظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة أو باستخدام أسلوب مختلف. إذا كنت تناضل من أجل الأفكار.

فيمكنك أن تحاول أن تجد الإلهام في تجاربك أو في تجارب الأشخاص الذين تلتقي بهم أو من خلال القصص التي تقرأها في الصحف والمجلات والإنترنت.

النص القوي، هو أيضا عامل أساسي في جعل الفيلم مختلفا عن غيره، مهما كانت لغته البصرية قوية، ولكنه سيكون ضعيفا في حال وجود نص ركيك.

فالنص الجيد يعد مفتاحًا للأفلام القصيرة المستندة إلى السرد، ومن نواح كثيرة يكون من الصعب كتابة قصيرة بهذه الميزة، لأنك تحتاج إلى تكثيف قصتك وتطوير شخصيتك في وقت قصير جدًا.

“عمان السينمائي الدولي” يدعم المخرجين الشباب بعرض أول أعمالهم

كما أن التمثيل وعوامل أخرى، مثل الإنتاج أيضا، لها علاقة في إنجاح الفيلم، خاصة لو كان فيلما بميزانية محدودة وهو حال غالبية الأفلام الأولى لصناعها.

أما العنصر الزمني فهو مهم جدا، لأنه كلما طال أمد الفيلم القصير، كان من الصعب الحفاظ على انتباه المشاهد. كما ا
الفيلم القصير.

فن قائم بحد ذاته، يتطلب مهارة عالية لإنجاز واحد يحمل كل العناصر الناجحة فيه، من خلال الوقت والتكثيف والأداء، إلى جانب رؤية إخراجية جمالية تعرف كيف تجعل من النص فنا بصريا.

الأفلام الأردنية التي تشارك في مهرجان عمان السينمائي الدولي، تعكس التطور في صناعة الأفلام المحلية ومهارة الشباب الطموح في دخول هذا المجال وشق طريقهم.

وهم في أولى تجاربهم يقدمون قصصا من واقعهم وبمعالجة جميلة تستحق الثناء والمتابعة والتقدير.