3 أشهر في الديوان الملكي.. دولة الرئيس انقل التجربة

إبراهيم البدور 3 أشهر في الديوان الملكي، هي مدة قضيتها وبدوام يومي داخل أسوار القصور الملكية من خلال عملي في لجنة تطوير المنظومة السياسية، وهي مدة كانت كفيلة للتعرف على هذه المؤسسة التي لا يعرف عنها إلا من عمل او يعمل بها، حيث العمل بصمت ولكن بانضباط وإنتاجية. عندما تدخل للديوان ترى كل شيء مرتب في مكانه، فالمقاعد موزعة حسب ترتيب لا يعترض عليه احد من الحضور، وبرنامج اي اجتماع يكون أمامك موضّح فيه المواضيع والمتحدثون والتوقيتات لكل مداخلة، فعامل الوقت مقدس لا يخترقه شخص ولا يقتطع من زمن حديثك أحد، فالكل يتحدث ضمن إطار زمني يتيح لك إيصال فكرتك دون أن يمل المستمع إن كان زميلا أو صاحب القرار. أما موظفو الديوان فهم منضبطون، حيث الكل يلتزم بالزي الرسمي (بذلة وربطة عنق)، والكل صامت يقوم بعمله دون ان يتدخل بك او يمزح معك حتى لو كنت صديقا له، فالانضباطية التي رأيتها في الديوان لم أرها في اي مؤسسة من مؤسسات الدولة الأخرى. عملت كنائب أربع سنوات، دخلت خلالها غالبية المؤسسات الحكومية ورأيت كيف تدار الأمور وكيف يتصرف الموظفون، رأيت كيف يُهدر الوقت بين انتظار لمعاملة وبين مزاجية موظف لا يكترث بك إلاّ إذا كان معك واسطة. ورأيت موظفين متغيبين عن دوامهم تمتلئ مكاتبهم بمعاملات الناس التي تضيع ان لم تتابعها بيدك، ورأيت إنتاجية لا تزيد على 20 % من نسبة العمل المطلوب - في مؤسسات كثيرة- فالكل بانتظار ساعة انتهاء الدوام لكي يغلق ويغادر. رأيت غيابا للعدالة في تقييم الموظفين؛ حيث من يعمل ويجتهد لا يُكافأ، ومن معه واسطة يُرقّى ويصبح مسؤولا عن زملائه الآخرين، ورأيت إدارات تدار بواسطة مسؤولين لا يعرفون إلا الشللية والمحسوبية ولا يطورون في مؤسساتهم بل يهدمون ما تم إنجازه من أسلافهم. قبل أن أذهب وأرى كيف يتم العمل في الديوان كنت أعتقد أن كل المؤسسات تعاني ترهلا إداريا وبيروقراطيا في العمل، وأنه لا أمل في تطوير الأداء الإداري - والذي تحدثت عنه كل الحكومات في برنامجها الذي تقدمه لمجلس النواب وحتى أمام الملك- والذي لم تستطع أي حكومة إنجاز تقدم ملموس في هذا الملف - الا من رحم ربي بشيء بسيط- ولكن بعد معايشة تجربة العمل في مؤسسة الديوان أعتقد أننا نملك تجربة حية تستحق أن نقف عندها وأن نضعها كنموذج يحتذى. دولة رئيس الوزراء الحالي د.بشر الخصاونة هو أحد مخرجات مؤسسة الديوان؛ فهو عمل بها كموظف وعمل فيها كمدير مكتب لجلالة الملك، وأعتقد أنه كان على اطلاع كامل على سير الأمور هناك وكيفية إدارة هذه المؤسسة. وبما أنه الآن على رأس السلطة التنفيذية وهو المسؤول الأول عن ملف تطوير العمل الإداري المترهل الذي تعاني منه الحكومة بكافة مؤسساتها فإنني أرى أن عليه نقل تجربة الديوان وإسقاطها على المؤسسات الحكومية التي تحتاج الى إنقاذ من الترهل الاداري الذي أصبح من أهم المعيقات التي تعاني منها الدولة. دولة الرئيس، إصلاح المنظومة الإدارية أصبح أهم مشاكل الدولة، فالإصلاح السياسي مهم ولكن يجب أن يسير بجانبه الإصلاح الإداري، فالإصلاح يأتي بشكل تكاملي ولا يتجزأ. دولة الرئيس حقق هذا الشيء للأردنيين كي يتذكروك ويُسجل لك، فالوقت قصير وعمر الحكومات قصير أيضا.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان