3 مؤشرات خطيرة من "أحداث الكرك"

ما تزال الصورة الكاملة غير واضحة بعد، وما نزال بحاجة إلى تفاصيل موثوقة أكثر عن المواجهات في مدينة الكرك، أول من أمس، مع الخلية الإرهابية (في حال كانت مؤيدة لتنظيم "داعش"، وعلى الأغلب هي كذلك)، وما نجم عن ذلك من شهداء من الأمن والدرك والمدنيين. إلا أنّ ما قُدم عبر الرواية الرسمية، سواء في المؤتمر الصحفي لوزيري الداخلية والإعلام، أو من خلال البيانات الرسمية من الأمن العام، يحمل ثلاثة مؤشرات خطيرة، كنتُ قد أشرت إلى بروز مقدّماتها في مقالات سابقة عندما وقعت أحداث مدينة إربد والهجوم على مخابرات البقعة.اضافة اعلان
المؤشر الأول يتمثل في التحول المقلق الذي يحدث في أوساط التيار الداعشي (أصبح بدرجة كبيرة منفصلاً عن التيار الجهادي وقياداته، مثل المقدسي وأبو قتادة وغيرهما). ويتمثل ذلك بالانتقال من مرحلة التأييد والتعاطف والتجانس الأيديولوجي مع "داعش"، إلى العمل عبر مجموعات وخلايا، بما يخدم أجندة التنظيم بصورة مباشرة، بخاصة في الظروف الراهنة التي يخوض فيها التنظيم حرباً مصيرية في العراق وسورية، ويعدّ أنصاره "الدولة" هنا عدواً رئيساً لهم.
ليست هي المرّة الأولى التي تحاول فيها خلايا وتنظيمات جهادية القيام بعمليات ضد الأردن؛ فمنذ تسعينيات القرن الماضي، والأردن في مواجهة مفتوحة مع هذا التيار. إنّما المقصود هنا تلك الكتلة من المؤيدين والمتعاطفين مع "داعش"، ممن كانوا يقتصرون على الجانب الفكري والإعلامي والأيديولوجي، فانتقلت نسبة منهم اليوم إلى الجانب العملي؛ وهو ما لا يحتاج إلى أوامر أو توجيهات مباشرة، بالضرورة، بقدر ما يتطلب فقط الإيمان بأفكار التنظيم، وفقاً لديناميكية العمل الجديدة، وتنفيذ عمليات عبر أسلوب "الذئاب المنفردة" أو "الخلايا النائمة".
المؤشر الثاني هو قرار المواجهة. ففي السابق، كانت هذه المجموعات غالباً ما تقوم بالاستسلام، في حال اكتُشف أمرها، وداهمتها القوات الأمنية. لكن مع أحداث إربد، ثم ما وقع في الكرك، فمن الواضح أنّ هناك تحولاً، يستند إلى "فتوى" صدرت قبل أعوام من قبل أنصار التنظيم في العالم، تحثّ أنصاره على مقاومة الاعتقال والقتال ضد الأجهزة الأمنية. وهي الفتوى التي أخذت تشق طريقها عبر ما نشاهده مؤخراً.
المؤشر الثالث، وهو ملاحظ بدرجة أكبر في أحداث الكرك الأخيرة، يتمثل في اعتبار أي فرد يعمل في الأجهزة العسكرية والأمنية هدفاً وعدواً، كما هي الحال بالنسبة للسيّاح الغربيين؛ وبما يتوافق وينسجم مع أجندة التنظيم. وهذا تطوّر خطير.
من المهم أن ندرك هذه المؤشرات والتحولات بصورة جيدة، والتي تعكس تحولاً في طبيعة مواجهة تحدّي الإرهاب والتطرف. وربما هذه التحولات هي التي تفسّر التغيّر في صورة المواجهة من محاولة القيام بعمليات نوعية ضد أهداف معينة؛ مصالح غربية، فنادق، مبنى المخابرات العامة، كما كان يحدث قبل أعوام، وكان يعتمد على مجموعات مدرّبة وتوجيهات محددة، ما كان يسهّل عملية الاختراق واكتشافها قبل وقوعها، بخاصة إذا كان من يقومون بالعمليات "عناصر محلية". بينما أصبح العمل يقوم حالياً على مجموعات أفقية، وتجهيزات ذاتية، وتوسيع قاعدة الأهداف، مع عدم الحاجة إلى وجود مراحل متسلسلة متعددة يمرّ فيها "المنفّذون"، ما يمثّل فارقاً جوهرياً بين نظرية العمل لدى تنظيم "القاعدة" (العمودية- النخبوية) وتنظيم "داعش" (الأفقية- العامة).
إدراك هذا التحوّل من الضروري أن يترافق مع إدراك وجود جيل جديد من الجهاديين الداعشيين، ممن قد لا يكون لديهم خبرة أو تاريخ مع هذه الجماعات، وربما ينتقل من النقيض إلى النقيض. هذا وذاك يستدعي إعادة نظر عميقة في المقاربات الوطنية في التعامل مع هذا التيار، بما في ذلك تعزيز المقاربات الثقافية، والتركيز على الشباب، وسياسة التعامل مع المسجونين من أبنائه وعائلاتهم.