"40 ك" الوزن المطلوب لقلقنا

بالرغم من التصريح اللافت لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأنّ "لدى الجانبين فكرة واضحة عن التنازلات اللازمة لضمان التوصل إلى اتفاق. كما أنه تم بحث جميع القضايا الكبرى في الصراع، مثل الحدود والأمن ومصير اللاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس"؛ فإنّ ما نسمعه من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين يبعث بشكوك عميقة جداً حول مدى تفاؤل الوزير الأميركي!اضافة اعلان
على الجانب الفلسطيني، ثمة شكوك عظيمة في مدى قدرة الرئيس محمود عباس على تمرير أي قبول فلسطيني بالشروط الإسرائيلية القاسية، وفي مقدمتها الاحتفاظ بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتقطيع أوصال الدولة الفلسطينية، والاعتراف بإسرائيل بوصفها دولةً يهودية، والتنازل رسمياً وعلناً عن حق العودة، مقابل تضاريس متعرجة فيما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين، وقبوله بالتنازل عن السيادة الفلسطينية، المفترضة، على الحدود مع الأردن، والوضع المعقّد للقدس.. إلخ.
مع ذلك، فلو فرضنا قبول الطرف الفلسطيني بذلك، فإنّ الشكوك تبدو أكبر فيما يتعلّق بالجانب الإسرائيلي. فمن الواضح أنّه ليس مستعدّاً بعد لأي اتفاق، حتى لو سقط كثيراً عن "الحدّ الأدنى" الفلسطيني. وما نسمعه من محللين إسرائيليين، ومن وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان، من متطلّبات وشروط متعددة، لا يملك شرعية تقديمها محمود عباس، ولا عباس بن فرناس، ولا الخلفاء العباسيون أنفسهم!
من الصعوبة بمكان تمييز الأمور الدقيقة التي توافق عليها الطرفان فعلياً، عن التسريبات والمعلومات غير الدقيقة التي نقرأها ونسمعها من مسؤولين وإعلاميين. وحتى تتضح الصورة أكثر، فإنّنا قبل ذلك لا نعرف، بصورة واضحة ومحدّدة، ما هي الحدود التي يمكن أن يقف عندها المفاوض الفلسطيني ويقبلها الأردنيون، لما لذلك من تأثير مباشر وحيوي وحسّاس على مصالحنا وأمننا الداخلي.
تلك المساحة، على صعيد المعادلة الفلسطينية، أولاً؛ والعلاقة الأردنية-الفلسطينية المتداخلة ثانياً، ما تزال رمادية جداً، ونتحدث فيها جميعاً بعموميات وكلام إنشائي، سواء في الحكومة أو حتى في المعارضة، من دون أن نقدّم لأنفسنا أولاً، وليس لكيري وللإسرائيليين، تصوّراً موضوعياً عن المستويات والسيناريوهات التي من الممكن أن نتعامل معها، في حال نجحت التسوية أو حتى فشلت، بشأن موضوع حق العودة واللاجئين والقدس والحدود، والعلاقات الأردنية-الفلسطينية!
حتى على الصعيد الداخلي، نفتقد إلى الوضوح والشفافية في مناقشتنا للتسوية، وتأثيرها على الأردن. ولعلّ تعليق بسمة الهندي (على مقال الزميل فهد الخيطان أول من أمس) ضرب على الوتر الحقيقي، بقولها إنّ "الأردن ليس معزولاً". إذ يشي سلوك المسؤولين الأردنيين بأنّهم يدركون تماماً ما يجري، ولديهم معلومات كافية، ولذلك يدّعون "عدم المعرفة"!
وربما أطرف ما في الجدل الأردني الداخلي اليوم هو اختلاف المسؤولين والسياسيين الأردنيين على نظرية "الاكتفاء بالجلوس في غرفة المفاوضات"، للنأي بنا عن تحمل أي تنازلات فلسطينية، كما يرى المسؤولون وسياسيون مخضرمون؛ أو "على الطاولة"، كما طالب د. معروف البخيت مؤخراً، بخلاف الموقف الرسمي، محذّراً، ضمنياً، من اتفاق يأتي على حساب مصالح الأردن.
في المحصلة، سواء كنا في غرفة المفاوضات أم على الطاولة، المهم أنّ ما يحركنا هو معلومات ومؤشرات واضحة، تدفع إلى التخويف مما يحدث. لكن الأهم أنّنا نفتقد إلى الحدّ الأدنى من الشفافية مع أنفسنا، وفي علاقتنا بأشقائنا!
وما دمنا قد بدأنا نتحدث عن الحدّ الأدنى، غير المتاح أصلاً، فلم لا تتم مناقشة هذا الملف المصيري الحاسم بروح عقلانية واقعية وموضوعية، بين النخب السياسية والمسؤولين، فلا يكون حكراً على أشخاص معيّنين، لنحدّد، على الأقل، المقاس الصحيح لمخاوفنا وهواجسنا الوطنية عند قيام صديقنا العزيز والغالي جون كيري بزيارة المنطقة؟ فهل يمكن أن نقرأ، ولو طرفاً، من هذه الرسائل القصيرة الخاصة؟!

[email protected]

m_rumman@