"400 غرزة" تعيد فتح ملف "العمل اللائق"

صورة تعبيرية لامرأة تحاول الدفاع عن نفسها خلال اعتداء عليها-(أرشيفية)
صورة تعبيرية لامرأة تحاول الدفاع عن نفسها خلال اعتداء عليها-(أرشيفية)

رانيا الصرايرة

عمان - بسبب خلاف مع زميلها في العمل، تعرضت فتاة الى اعتداء منه، تسبب بتشويه وجهها، أسفر عن تقطيبه بـ400 غرزة، لتعيد هذه الحادثة البشعة الى الذاكرة حوادث اعتداء وعنف، كان مسرحها موقع العمل في الاعوام الماضية، وهو امر حدا بالخبراء للتأكيد على مطالبهم بتعديل قانون العمل، بحيث يعاقب على أي عنف او تحرش، يحدث في بيئة العمل، وتوفير بيئة عمل لائقة، تحد من اي عنف او تحرش قد يقع في مكان العمل.اضافة اعلان
سهام الجمل (25 عاما) قالت لـ"الغد" انها "ما تزال تحت تأثير الصدمة، ولا أستطيع تصور ان يؤدي جدال على تفاصيل في العمل الى تعرضي لاعتداء جسدي شوه وجهي، على يد زميلي في القسم نفسه، داخل الشركة التي نعمل فيها، بخاصة وأن مديرتنا طلبت منا تبادل مناوبات العمل، لكن ذلك لم يعجبه، فبدأ بالصراخ في حضور مديرتنا، وركض الى احد المكاتب، ثم اعتدى علي بالضرب على وجهي مستخدما آلة حادة.. هذا ما أذكره".
حادثة سهام ليست الاولى من نوعها في الأردن، فقبل عامين تقريبا شهد مستشفى الكرك الحكومي، حادثة اطلاق نار من موظف على زميلين له في المختبر الطبي، فأصاب رصاصه أسطوانة اكسجين تفجرت وحرقت المختبر، وأودت بحياة القاتل نتيجة حروقه.
هذا النوع من الحوادث، يطرح سؤالا مفاده: هل يمكن قيادة خلافات العمل بين الزملاء او بين الموظف ومديره او عدم توافر بيئة لائقة الى جريمة قتل؟ وهل يمكن بان يفقد شخص اعصابه الى درجة إيذاء نفسه او إيذاء زميله او مديره؟
وقبل سنوات قليلة، هزت المجتمع جريمة قتل ارتكبها عامل بحق مهندس، يعملان في شركة هندسية، لتكشف التحقيقات ان سبب الجريمة، هو تنمر المهندس على العامل، ما أفقده اعصابه في احدى المرات ودفعه لقتله، فخسر المهندس حياته والعامل حاليا خلف القضبان، ينتظر حكما بالإعدام.
كذلك هناك حالات قتل أخرى في مواقع العمل، أسبابها الفصل والتنمر والتنافس، لم تغب عن ذاكرة المجتمع، ابرزها قضية مصعب عامل الكهرباء الذي احرق نفسه قبل سنوات وتوفي بعد يومين جراء فصله من عمله.
مدير مركز الثريا للدراسات الدكتور محمد الجريبيع، أكد أن غالبية بيئات العمل في القطاعين الخاص والعام "لا تتوافر فيها شروط العمل اللائق والصحي لعامليها، سواء من حيث الأجور أو توافر السلامة والصحة المهنية والتأمين الصحي وغيرها، ما ينعكس على جو العمل، ويتسبب بجو مشحون بين الزملاء".
واضح الجريبيع أن قدرة الأشخاص على التكيف مع ظروف ما في بيئة العمل تختلف من واحد لآخر، لذلك "قد يلجأ بعضهم للتعبير عن اعتراضهم على خلل ما، بإيذاء أنفسهم كالتهديد بالانتحار أو بإيذاء الآخرين"، وللتغلب على ذلك، يرى "أنه من المهم توفير بيئة عمل لائقة ونشر برامج الصحة النفسية في المدارس والجامعات وأماكن العمل".
حادثة الجمل، عادت لتجدد مطالب خبراء في سياسات سوق العمل، للمصادقة على اتفاقية منظمة العمل (190) لمنع العنف والتحرش في مكان العمل والصادرة العام 2019.
مدير بيت العمال حمادة ابو نجمة، أكد ضرورة وضع تعريف واضح للعنف في مكان العمل، يدرج في قانون العمل، وينسجم مع الاتفاقية (190)، وأن يتضمن أحكاما خاصة بالوقاية من العنف ومسؤولية صاحب العمل في توفير بيئة عمل، تحد من العنف، وتنفيذ إجراءات خاصة بسبل الإنصاف لمن يتعرض للعنف، وعدم الاكتفاء بالسماح له بترك العمل باعتبار أن ذلك يزيد في معاناته لفقدان وظيفته.
وقال ابو نجمة "يجب أن يتضمن القانون حظرا صريحا للعنف والتحرش، وعقوبات خاصة بهما، وإجراءات من أصحاب العمل لمنعهما، كتوعية العمال والمعنيين بها، وتقييم مخاطر العنف والتحرش، ووضع تدابير للوقاية منهما، ومراعاتهما في إدارة شؤون السلامة والصحة المهنية".
الخبيرة القانونية هالة عاهد، أكدت من جهتها، ان المادة 29 بتعديلها المقترح من الحكومة، لا تعاقب إلا صاحب العمل أو من يمثله، وبذلك لا يعاقب الموظف او العامل في حال ارتكب هذا الفعل.
واقترحت بأن تنص الفقرة (أ) من المادة، على الحق للعامل بان يترك العمل دون إشعار صاحب العمل، مع احتفاظه بحقوقه القانونية عند انتهاء الخدمة، وما يترتب له من تعويضات عطل وضرر إذا اعتدى صاحب العمل أو من يمثله، أو أي عامل آخر عليه بأي شكل من أشكال العنف والتحرش، وذلك في مكان العمل أو في الأماكن المرتبطة به أو الناشئة عنه، أو خلال التنقل أو السفر أو الرحلات الخاصة بالعمل، أو خلال الاتصالات المرتبطة بالعمل، والمتاحة بأي شكل من أشكال الاتصال الحديثة ووسائلها، أو خلال فترة التدريب أو في مكان الإقامة التي يوفرها صاحب العمل للعاملين لديه بما فيها السكنات العمالية.
وأن تنص الفقرة "ب" على مع مراعاة أحكام أي تشريع آخر ساري المفعول، إذا تبين للوزير وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله أو أي عامل آخر أو أي شخص موجود في مكان العمل، بممارسة أي شكل من اشكال العنف والتحرش على أي عامل من العاملين المستخدمين لديه، أو طالبي الوظائف أو المتدربين، ولم يتخذ صاحب العمل التدابير اللازمة لمنع ذلك أو متابعة الشكوى في حال ورودها إليه، فله ان يقرر إغلاق المؤسسة جزئيا أو كليا وللمدة التي يراها مناسبة، مع عدم الاخلال بحقوق العمال الآخرين وأجورهم، وإحالته إلى المحكمة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه، بموجب أحكام هذا القانون والتشريعات الأخرى النافذة ذات العلاقة.
ولغايات هذه المادة، يقصد بالعنف والتحرش، أي سلوك أو ممارسة أو فعل أو لفظ غير مرغوب به، أو التهديد بإيقاعه، سواء حدث مرة واحدة أو عدة مرات، ويهدف أو ينتج عنه أو من المحتمل أن ينتج عنه ضرر جسدي أو نفسي أو اقتصادي، كما اقترحه الخبراء.
كما شددت على ضرورة اضافة بند جديد للمادة، ينص على أن "يصدر الوزير تعليمات يحدد بموجبها السياسات الواجب على أصحاب العمل اتباعها، لمنع العنف والتحرش في عالم العمل والتدابير اللازمة للوقاية منه، وإجراءات التبليغ ومتابعة الشكوى وتدابير ملاحقة المعتدي وانصاف الضحية".
وعلى صعيد متصل، تبنت وزارة العمل قبل اشهر، نموذج سياسة للحماية من العنف والتحرش والتمييز في عالم العمل، اذ ان هذا النموذج معد لاستخدام أرباب العمل في القطاع الخاص، لمساعدتهم على تطوير سياساتهم المتعلقة بالعنف والتحرش والتمييز، حيث يتبنى الممارسات الدولية الحديثة بهذا الخصوص.