51 قضية مخدرات يوميًا!

إذا كانت عملية مكافحة الإرهاب والقضاء عليه وعلى تنظيماته المختلفة، تتطلب استراتيجية شاملة وتضافر جهود الجميع من مؤسسات حكومية وخاصة وأفراد، فإن أيضا آفة المخدرات، التي لا تقل خطرا عن الإرهاب والفكر المتطرف وتفتك بالمواطنين وخصوصا الشباب منهم وبالتحديد من هم على مقاعد الدراسة سواء أكانت جامعية أم مدرسية، تتطلب أيضًا استراتيجية شمولية.اضافة اعلان
فعندما تتعامل الأجهزة المعنية في بلد كالأردن، السمة الغالبة عليه وعلى معظم أبنائه، "المحافظة" ويرفض بشكل قاطع تلك السموم، يوميا مع نحو 51 قضية مخدرات ما بين تجارة وحيازة وتعاط، وما يقرب من الـ71 شخصا، يوميا أيضا، متهمين في التورط بتلك القضايا.. فهذا يدل على أننا أمام معضلة عظيمة، تحتاج إلى شحذ كل همة وطاقة من أجل السيطرة على هذه الآفة.
جهود مشكورة قام بها أفراد إدارة مكافحة المخدرات على مدار العام الماضي، والذين تعاملوا مع 18400 قضية، ألقوا خلالها القبض على 25875 شخصا، من بينهم 1937 غير أردنيين.
ولكن ما يدعو للقلق، كثرة عدد قضايا هذه السموم والمتورطين فيها وكذلك كثرة الكميات التي تم ضبطها والتي يصل بعضها إلى ملايين الحبات وآلاف الكيلوات من المواد المخدرة.
أرقام مذهلة تلك، تدب الرعب في النفوس.. رغم أن إدارة مكافحة المخدرات قامت خلال العام الماضي وحده بـ7397
محاضرة ودورات أعوان ومعارض ثابتة ومتنقلة وعروض مسرحية وزيارات ولقاءات وورش وندوات واجتماعات، أي بمعدل يومي يبلغ 20.2 مناسبة، شملت مختلف المؤسسات التعليمية من حكومية وخاصة، بُغية تعزيز شراكة المجتمع والفرد في الحرب على هذه الآفة.
إلا أن الأخطر من ذلك، وما يدق ناقوس "الرعب"، أن الاستطلاع الأخير لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أظهر أن 58 % يعتقدون بأن المخدرات منتشرة في المنطقة التي يعيشون بها… ونكاد نُجزم بأن هؤلاء ما كانوا على هذه الدرجة من اليقين لولا أنهم رأوا بأم أعينهم أبناء من مناطقهم يتعاطون تلك السموم أو يبتاعونها أو يشترونها.
أكثر من الثلثين من المستطلعة آراؤهم، يضعون اللوم والمسؤولية على منظمات المجتمع المدني (34 بالمائة) والمجتمع المحلي (32 بالمائة)، ويؤكدون بأنها لا تقوم بدور كاف على الإطلاق في التوعية من ظاهرة المخدرات، بينما يعتقد 29 بالمائة بأن الحكومة تقوم بدور غير كاف في التوعية من تلك السموم.. إلى جانب تأكيد مدير إدارة مكافحة المخدرات العميد أنور الطراونة أن عدد قضايا المخدرات العام الماضي زادت بنسبة 32 بالمائة مقارنة بالعام 2017.
يبدو أن كل تلك الجهود الجبارة غير كافية للقضاء على هذه الآفة ومحاربتها من جذورها، فعملية التوعية من مخاطر سموم المخدرات تقع على كاهل مؤسسات الدولة كافة وتلك الأهلية، إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة، والوعاظ والأئمة والخطباء، وقبل ذلك والأهم هي الأسرة التي يقع على ظهرها المسؤولية الأكبر، إذ يجب أن يكون الأبوان متيقظين دائمًا وأبدًا لسلوك أبنائهم والسيطرة أكثر على محيطهم.
فالاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات التي أقرتها الحكومة في السابق، لا تكفي إن لم يكن هناك تنسيق على مدار الساعة مع مؤسسات الدولة كافة، وبالأخص تلك التعليمية حكومية وخاصة، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وخطباء المساجد.
كما يجب أن يرافق هذه الاستراتيجية، برنامج وطني، قابل للتنفيذ، يتضمن التركيز على أضرار هذه السموم وطرق التوعية من مخاطرها وكذلك انتشارها، وتأثيرها السلبي على الجسم والعقل، بالإضافة إلى التوسع في إنشاء مراكز للعلاج النفسي والاجتماعي، فضلًا عن توفير الأموال لمثل هذا البرنامج.