6 نصائح لتكسب رمضان مميزا

أسامة شحادة

لم يبقَ على حلول شهر رمضان المبارك إلا أيام قليلة. واستعدادا لذلك، ترى الباعة في الطرقات يعرضون فوانيس رمضان وأضواء الزينة، وتطالعك الصحف بعروض رمضان على اللحوم والخضراوات والأرز، وحتى السيارات. كما تتسابق الفضائيات على التنويه على مسلسلاتها، وكذلك المطاعم والمقاهي تدلل على سهراتها الرمضانية بمصاحبة الغناء والطرب!اضافة اعلان
لكن، هل هذا يحقق أو يساعد في تحقيق الغاية من فرض الصيام على الناس من قبل ربهم وخالقهم وإلههم؛ إذ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة، الآية 183)؟ هل هذه الاستعدادات تحقق التقوى، أم أنها بين مناقض للتقوى ومتصادم معها، أو غير ذي فائدة في تحصيلها؟
حتى نتدارك الاستعداد الصحيح لقدوم رمضان، أُقدّم للقارئ العزيز 6 نصائح تساعد على كسب الشهر الفضيل بشكل متميز، بما يحقق التقوى بإذن الله فيه.
1 – حتى لا تتعب صحياً بالصيام في الصيف
سيكون صيام رمضان في فصل الصيف لعدة سنوات مقبلة. ونحن نشهد ارتفاعا في حرارة الجو. لذلك، يجب التنبه والاستعداد لذلك باتباع بعض التوصيات الصحيّة من الأطباء، ومنها:
- تخفيف شرب الماء في النهار قبل بدء رمضان بأسبوع، لتعويد الجسم على ذلك.
- التعرف على الأطعمة والفواكه التي تساعد على الصيام، والاعتماد عليها في وجبة السحور.
- الانتباه لأهمية شرب الماء في وقت الإفطار، بكميات مناسبة وبشكل متفرق.
- الصائمون من مرضى السكري أو غيره يجب عليهم سؤال الطبيب عن صومهم وطريقته الصحيحة بالنسبة لهم.
2 – أهمية مراجعة فقه الصوم
العبادات في الإسلام تقوم على الفقه والعلم. ويجب على كل صائم وصائمة تعلم أحكام صومه، وهي سهلة ميسرة. ونحن اليوم في عصر تتوفر فيه المعلومة بشكل كبير. فيمكن مطالعة كتيب في أحكام الصوم، أو مطوية، أو قراءة بحث على شبكة الإنترنت، أو مشاهدة برنامج أو دورة في أحكام الصيام عبر "يوتيوب"، أو سماع محاضرة في أحكام الصوم عبر الهاتف الخلوي والشخص في السيارة أو المواصلات العامة. كما يمكن حضور إحدى الدورات الفقهية في أحكام الصيام، والتي تعقد قبيل شهر رمضان في المساجد والمراكز الثقافية.
المهم أنه لا يجوز لك أخي الصائم، وأختي الصائمة، الإهمال في تعلم أحكام ركن من أركان الإسلام في زمن وجوبه.
3 – خصص رمضان للقرآن فعلاً
من المعلوم أن شهر رمضان هو الشهر الذي بدأ فيه نزول القرآن الكريم: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..." (البقرة، الآية 185). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل فيه القرآن كل سنة، كما كان السلف الصالح والعلماء يتفرغون في رمضان لقراءة القرآن وتدبره.
ونحن في هذا الزمان السريع الإيقاع والمليء بالمشاغل والملهيات والصوارف، نحتاج فعلاً أن نتفرغ للقرآن الكريم؛ قراءة وتدبراً وفهماً، لأن القرآن الكريم "... شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ..." (الإسراء، الآية 82). وكم تحتاج قلوبنا وعقولنا لهذه الرحمة والشفاء من الشبهات المتكاثرة اليوم على قلوب المؤمنين من الكفار ومن المسلمين المنبهرين بالكفار وشبهاتهم، والتي تملأ القنوات الفضائية والصحف والمجلات ويتداولها الناس في وسائل الاتصالات.
فعلى الصائم والصائمة الحريصين على تقوى الله عز وجل، أن يتفرغا في رمضان لقراءة القرآن الكريم بتفهم وتدبر. ولا يكتفيان بذلك، بل يحرصان على أن ينتقيا تفسيراً للقرآن الكريم ويعكفا على مطالعته في شهر رمضان، أو يتفرغا لسماع أو مشاهدة محاضرات ودروس تفسير القرآن الكريم، حتى يعيشا فعلاً مع القرآن، ويكونا من أهل القرآن ويكون القرآن قدوتهما ونبراسهما ودستورهما.
فمن أعظم الاستعداد لرمضان، شراء أو استعارة أو تحديد كتاب التفسير الذي ستطالعه في رمضان. ويمكنك أن تبدأ هذا العام بمطالعة تفسير مختصر لكل القرآن، وفي العام المقبل تطالع غيره وهكذا، أو أن تطالع تفسيرا أوسع فتطالع فيه نصف تفسير القرآن أو ثلثه، وتكمل فيه بقية العام، وتبدأ في رمضان القادم بتفسير جديد، وهكذا.
وإذا اخترت أن تطالع تفسيرا مختصراً، فأنصحك بتفسير الشيخ السعدي "تيسير الكريم المنان" أو تفسير "زبدة التفسير" للشيخ محمد الأشقر، أو تفسير "المختصر في التفسير" الذي صدر حديثاً عن مجموعة من العلماء من دول مختلفة، بإشراف مركز تفسير للدراسات القرآنية، وهو مركز متخصص. أما إن رغبت في تفسير مطول، فأنصحك بدايةً بتفسير "المعاني الحسان في تفسير القرآن"، للشيخ عمر الأشقر؛ وهو من كبار علماء الأردن، فسر فيه 17 جزءا ثم توفي رحمه الله.
كما أن المكتبة الإسلامية تحتوي على تفاسير تناسب الأطفال. كما يوجد الكثير من الكتب التي تعالج قضايا وموضوعات مرتبطة بالقرآن الكريم. فلنحرص على تنمية ثقافتنا القرآنية دوماً، وخاصة في شهر رمضان، حتى نستنهض حضارة القرآن التي تتطلع لها البشرية اليوم بشوق، لتخرجها من تيه المادية والطغيان والظلم.
4 - احذر فخ الأسواق     
من مقاصد رمضان التخفف من أعباء الدنيا ونعيمها، ومعايشة الجوع والحرمان، لتصفو النفس ويتهذب الطبع ويتعاظم الإحسان والشفقة تجاه المحروم والفقير. لكن شياطين الإنس والجن قلبوا الأمر، وجعلوا من السوق والتسوق والهجوم على الدنيا وملذاتها الطقس الأول في رمضان عند غالبية الصائمين والصائمات! فتجد أن استهلاك البلاد الإسلامية في رمضان يتضاعف أحياناً، والأخطر من هذا أن ما يلقى في القمامة من الطعام يتضاعف أيضاً، وهذا مناقض تماماً للتقوى وهي الغاية من الصيام.
ولا يقتصر أمر تضييع رمضان على شراء الطعام للبيت أو للولائم يومياً، بل يتضاعف في أعظم وقت في رمضان، وهو ليالي العشر الأواخر؛ ليالي القيام والاعتكاف والجد والتشمير في الطاعة، كما هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فتجد غالبية الصائمين والصائمات قائمين في الأسواق حتى قبيل الفجر، يبحثون عن ثياب العيد، ويقفزون من سوق إلى سوق وإذا تعبوا استراحوا في "كافيه" فأخذوا شيشة واستمعوا وشاهدوا عارية ترقص، بدلاً من الاستغفار أو قراءة شيء من القرآن! 
ولتجنب هذا الفخ الخطير، على الصائم والصائمة الحريصين على رمضان وتحقيق غايته وهي التقوى، أن يخططا لمشترياتهما في رمضان، فإن أمكن توفير مستلزمات الطعام والشراب لرمضان أو غالبه قبله فهو أفضل، أو الذهاب للسوق في غير وقت ازدحام الناس في السوق أو الطرقات، أو اختيار مكان أبعد قليلاً لكنه قليل الازدحام حرصا على الوقت وتجنباً للمشادات التي تكثر في تلك الأوقات.
ولماذا لا يستغل الصائم والصائمة الحريصين على صيامها ورمضانهما هذه الأيام في شراء لباس العيد، فالأسواق هادئة والأسعار مناسبة، ويمكن التبضع بهدوء ومن دون ضغط الصوم أو المتسوقين؟
5 – الشيطان الخفي: التلفزيون والإنترنت
كثيراً ما تضيع أجور وثمرات الصوم على الصائمين بسبب برامج التلفزيون والإنترنت التي تتماشى مع معايير إبليس بكل جدارة؛ من عري فاضح، ومضمون ساقط، وإثم مضمون، وبركة مفقودة، وخير معدوم وشر حاضر!
فالصائم والصائمة الراغبان برضى الله عز وجل في رمضان، يجب عليهما أن يغضبا التلفزيون والإنترنت في رمضان بمقاطعة كل القنوات غير المحافظة، فلا يجوز في رمضان ولا غير رمضان رؤية المسلسلات والأفلام والحوارات ونشرات الأخبار التي تكشف فيها العورات، وتطلق فيها العبارات والأفعال المحرمة، وهي الغالب على ما تحتويه الدراما.
وأفضل طريقة لذلك شطب هذه القنوات من "الرسيفر". ومن لم يستطع ذلك، فليكن له "رسيفر" لرمضان، عليه فقط القنوات المحافظة. وأيضاً لا يضيع وقته عليها في رمضان، بل يتخير برنامجا أو اثنين ويتابعهما، ويحرص على ما فيه أكثر منفعة لتحقيق مقصد رمضان؛ فإما برامج لتفسير القرآن ومدارسته، أو برنامج يعلمه دينه ويهذب خلقه وسلوكه، أو برنامج ينمي عقله ويرسخ إيمانه.
6 – لا يكن صومك جوعا وعطشا فقط 
للصائم والصائمة الموفّقين أجور عظيمة عند الله عز وجل، ففي الحديث القدسي عند البخاري، يقول الله عز وجل عن سبب عظم أجر الصائم: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها".
ولذلك، من لم يترك شهوته من النظر للحرام بمتابعة الأفلام والأغاني والتسكع في الأسواق، هل ترك شهوته لله عز وجل؟
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم الصائمين والصائمات من صيام الجوع والعطش فقط، فقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه" (رواه الطبراني، وهو حديث حسن لغيره). وقال صلى الله عليه وسلم: "رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" (رواه ابن ماجه وهو صحيح).
ولذلك، على الصائم والصائمة -كما أنهما أطاعا الله عز وجل وتركا الحلال من الطعام والشراب والشهوة- أن يطيعاه في رمضان وغير رمضان، فيتركا الذنوب والمعاصي؛ من قول الزور والكذب والغش والخداع. ويجب عليهما المحافظة على الطاعات دوماً، والبعد عن المنكرات دوماً، وفي رمضان خاصة. ولعل من أكثر المنكرات شيوعاً اليوم في رمضان التدخين والشيشة للرجال والنساء في البيوت والأسواق، والتبرج والحجاب المزيف، وهي معصية يشترك فيها النساء والرجال متعمدين بمخالفة أحكام الحجاب الشرعي.
فيا أيها الصائم والصائمة الموفقين: هذه ست نصائح تساعد على أن يكون رمضان هذا أكثر تميزاً وتحقيقاً لتقوى الله عز وجل. فاحرصا أن يكون رمضانكما هذا نقطة انطلاق إيجابية في حياتكما، ومنعطف تغيير نحو الأفضل، فلا ندري هل تتاح لنا فرصة المشاركة مرة أخرى في موسم المغفرة والبركة رمضان هذا أو غيره. ونسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان ويوفقنا لصالح الأعمال والأقوال فيه.