66 عاما من الكذب والزيف

لم ينصدم العالم يوماً بالصورة البشعة لدولة الاحتلال العنصرية، مثلما انصدم بها في عدوانها الأخير على قطاع غزة؛ عندما تبدت همجيتها سافرة، وهي ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مرّة تلو الأخرى، تحت سمع العالم وبصره.اضافة اعلان
تلك الحقيقة "الجديدة" تبدت للعالم بصورة متأخرة جداً، أما نحن أبناء المنطقة العربية، فقد رأينا وجه الاحتلال العنصري البغيض على امتداد سنوات زرعه في قلبنا. ويكفي أن ننظر إلى نكبة الفلسطيني وتهجيره إلى جميع قارات العالم، لنعلم نوعية العدو الذي نتعامل معه.
لكن ذهول العالم وصدمته الأخيرة من عدوان الاحتلال على غزة، ينبغي التوقف عندهما طويلا، والتساؤل: هل كانت الجريمة أكبر من جرائم الاحتلال السابقة، أم أن عوامل أخرى أثّرت في المزاج العالمي ليرتدّ إليه ضميره في لحظة الحقيقة؟
نعلم أن الجرائم الأخيرة لم تكن هي الأكبر في التاريخ الإجرامي لدولة الاحتلال التي بنت "مجدها" على أشلاء الفلسطيني والعربي، فيكفي أن نستعرض تاريخ العصابات الصهيونية "هاغناه" و"شتيرن" و"بالماخ" و"أرغون"، والتاريخ الدموي للقادة السياسيين والعسكريين للدولة العبرية، وصولا إلى اجتياح بيروت، ومجازر صبرا وشاتيلا، إضافة إلى دفن الجنود الأسرى المصريين أحياء، كل تلك الجرائم مدموغة بعلامة "صنع في إسرائيل"، ولا يمكن لأي دولة أو عصابة أخرى أن تفعلها. لكن العامل الجديد الذي دخل على الخط، هو الإعلام الذي كشف كذب وزيف دولة الاحتلال التي سوّقت نفسها على امتداد 66 عاماً على أنها دولة مدنية ديمقراطية، وسط غابة من الوحوش التي تريد تمزيقها.
العامل الجديد هو الإعلام المجتمعي الذي تطوّع فيه الآلاف حول العالم لكي يكشفوا الوجه القبيح البشع للدولة العبرية، وينقلوا الحدث والصورة كما هما، من غير تزويق.
للمرة الأولى، تقع المؤسسات الإعلامية العالمية الضخمة في الأخطاء المكشوفة مرة تلو الأخرى، وهي تحاول الانحياز السافر لإسرائيل، ليأتي الناشطون ويفضحوا كذبها. وللمرة الأولى، تجد دولة الاحتلال نفسها من غير غطاء إعلامي يبرر جرائمها.
هذا النجاح الباهر، يكشف فشلا مدويا في الجهة المقابلة، وهو فشل الإعلام العربي على امتداد عقود طويلة في الوصول إلى العالم الغربي، ومخاطبة الشارع، في أوروبا وأميركا، وحتى آسيا. وهو الشارع الذي رأيناه متفاعلا ضد العدوان الأخير، ربما أكثر من الشارع العربي الذي بدا منقسما على أسس حزبية وفصائلية.
الإعلام العربي ما يزال فاشلا في مهمته الأساسية المتمثلة في حمل القضايا العربية، وتعريف العالم بها، وما يزال حتى اليوم إعلاما "ردّاحا"، يتقن فنّ التفرقة بين الإخوة، وتجميل القبح، وتقبيح الحسن.
تحية إلى أولئك الأبطال من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رموا وسائل الإعلام التقليدية وراء ظهورهم، وسهروا على مدار أيام العدوان، ونقلوا للعالم قبح الاحتلال وهمجيته وجرائمه، ليحركوا الشوارع في شتى بقاع العالم.