8 مليارات نسمة!

تهاني الروحي أعلنت إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية أن عدد سكان العالم سيصل إلى 8 مليارات نسمة وذلك بعد أربعة أشهر بالتحديد. وبهذه المناسبة اصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيانا خلص فيه ان “وصولنا لهذا العدد هو تذكير بمسؤوليتنا المشتركة للاعتناء بكوكبنا ولحظة للتفكير بالتزاماتنا حيال بعضنا بعضا والتي ما نزال لا نحترمها”، بدون أن يذكر حالات ملموسة. ولا أدري ان كان علينا ان نحتفي بهذا العدد الذي وصل اليه الكوكب، أم علينا التوقف عنده والتأمل كثيرا فيما سنؤول اليه في غضون سنوات قلائل، في وقت وجب فيه الاعتراف بكرامة 8 مليارات فرد يعني الاعتراف بواقع إنساني عالمي. فالبشرية جمعاء تشكّل شعبًا واحدًا، وإن كان متنوعًا بشكل هائل في اللغة والتّاريخ والتّعبير الثّقافي. الا ان وعينا بهذه الوحدة، هو ما يجب على أمين عام الأمم المتحدة ان يتداركه، وان يضيف إلى تساؤلاته السابقة الذكر عدة اسئلة أخرى منها: ما التّرتيبات الّتي صُمّمت لدعم عالم متزايد التّرابط، وما المفاهيم التي يجب العمل عليها كدول وشعوب، وما المعايير الأساسية للإنسانيّة التي نراها تنهار باستمرار كالانهيار الذي نشهده ما بين الدّول والتّكتّلات الاقتصاديّة جراء الحروب التي شهدها هذا الكوكب على الاقل لعقد مضى؟ ويعود غوتيريش قائلا ومستدركا بهذه المناسبة: “انها مناسبة للاحتفاء بتنوّعنا وللاعتراف بإنسانيتنا المشتركة وللتعبير عن إعجابنا بالتقدم المحرز في مجال الصحة والذي مدّد فترة الحياة وخفّض بشكل كبير معدلات وفيات الأمهات والأطفال”. ولكن غاب عن بال صانعي السياسات بأن النّماذج الاقتصاديّة مستمرّة في تجاهل الاعتبارات الأخلاقيّة وتهميشها، وإنّ عدم الاستقرار المالي العالمي سوف يستمر في التّفاقم، وستُعاني منه البشريّة جمعاء. ناهيك عن تبعات التّدهوّر البيئي في جميع أنحاء العالم، ولا تزال معظم البلدان الصناعيّة تتعامل مع التّبعات البيئيّة على أنّها أمورٌ هامشيّة، ورأينا تبعاتها الحالية المتوجهة إلى إفقار المجتمعات الريفيّة، واستغلال السّكان الضعفاء، والتّدهور السّريع للبيئة. وهنا لا بد للمجتمع الدولي أن يخصص موارد كبيرة لإدراك كيف للنّماذج الاقتصاديّة المنضوية تحت مبادئ الضّمان الاجتماعي والعدالة وتبادل المصالح والمنفعة أن تُبرِز وتُلبّي احتياجات المجتمعات على اختلافها. وأخيرا وان كانت المطالب هنا تطول كثيرا، الا ان تغيير السّياسات، وسنّ تشريعات عادلة، واتّخاذ تدابير تكفل سدّ الفجوات في أوجه عدم المساواة الجائرة بين معظم شعوب العالم هو أمر ملح. ومع أنّ هذه التّغييرات، وإن كانت ضروريّة، ستثبت عدم كفايتها لتحقيق أنماط حياة جديدة تُتيح الازدهار لجميع النّاس خاصة وان العديد من أنظمة وهياكل المجتمع تعزز الهيمنة وعدم المساواة. تفكيرنا هنا يجب أن ينصب وعلى مختلف الأصعدة كيف يمكن لإطلاق القوّة الكامنة في المجتمعات أن يتأتّى من جرّاء التّعاون؟ لأن تقدّم البشريّة سيتأتى أيضا من المشاركة الكاملة لجميع النّاس في جعل العالم الذي يعيشون فيه عالمًا أفضل لنا جميعا وللاجيال القادمة من بعدنا. اذن رؤيتنا نحو استشراف المستقبل الذي نريده لكوكبنا، وترجمة تلك الرؤية إلى حقائق عمليّة سيبدأ من الترتيبات الاقتصاديّة والّتي تحدّ من التّطرّف في الثّراء والفقر وتعزّز التّماسك الاجتماعي. وجيد أن نعرف بأن التقرير يشير الى إن الزيادة المتوقعة لعدد سكان الأرض في العقود المقبلة ستتركز بأكثر من نصفها في ثماني دول هي جمهورية الكونغو ومصر وإثيوبيا والهند ونيجيريا وباكستان والفلبين وتنزانيا، بحسب الأمم المتحدة، وستحل الهند مكان الصين لتصبح الأكثر تعدادًا للسكان عام 2023. فهذه السّياسات ستساعد بلا شك في إنشاء بيئة تُبنى فيها القدرات، بأعداد متزايدة باستمرار، للمساهمة في بناء عالم أفضل. المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان