مالك العثامنة
في أحد تجلياته الاختزالية المبدعة، كتب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل عن إيران بعد ثورتها الخمينية وصفا مذهلا يقول فيه: الخميني كان رصاصة انطلقت من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين.
ربما كانت العبارة الهيكلية أدق لو تم وصف الخميني “بكل ثورته” بالقذيفة التي انطلقت من عمق القرن السابع، فهي لم تكن رصاصة فقط، كما أن التاريخ يفيدنا اليوم أنها لم تكن طائشة.
أردنيا، وبعد رحيل الشاه – الصديق الشخصي للملك الراحل الحسين- كانت العلاقة خاضعة لمد “محدود” و جزر “طويل”، وكانت أغلبها فتورا يشبه العداء مع مراحل تقارب ناعمة تزامنت مع حضور الرئيسين الإصلاحيين السابقين رفسنجاني و خاتمي، والعلاقة مع طهران “منذ الثورة الخمينية” كانت محكومة بمتغيرين : المتغير الأميركي والمتغير السعودي.
بالنسبة لإيران، فالأردن حالة مستعصية على وضع أي قواعد تسمح بمرور رؤية ولاية الفقيه، فالدولة الأردنية لا يمكن اختراقها شيعيا، وهي بنظامها الهاشمي تاريخيا الأقرب “بدون قلق الإثباتات” لآل البيت، لكن إيران كانت قادرة على إثارة القلق من زوايا أخرى “موجعة حقا” في الجغرافيا وليس التاريخ، وكان آخر تجلياتها وجع الخاصرة الأردني في الحدود الشمالية، لكن أخطرها على الدوام كان الحضور الإيراني داخل تفاصيل القضية الفلسطينية، حضور بنكهة التسلل داخل حصان “المقاومة” الخشبي في عمق التيارات الإسلامية وحزب الله.
إقليميا: نحن ما نزال في سياق التغيرات الدولية بالمجمل، والإقليم “قلب العالم فعلا وزوادته القادمة” يعيد ترتيب نفسه ضمن قواعد علاقات جديدة مختلفة بالمطلق عن الماضي. وعليه فإن التباين الأميركي – السعودي الراهن ضمن منظومة الأزمات الدولية الحالية سيؤثر على المتغيرين “الأميركي والسعودي” في علاقة الأردن بإيران، والأردن مطالب – بالضرورة- أن يغير قواعد الاشتباك السياسي والدبلوماسي بما يضمن مصلحته، ومصلحته دوما هي في تعظيم دوره الإقليمي إلى الحد الأقصى.
يدرك الأردن بالتجربة الآن، أن هناك خطوط تماس مع إيران في أي تحرك إقليمي، بسبب الحضور الإيراني “بالوكالة” في مناطق التماس نفسها، وهو ما عطل مثلا طموحات كبيرة للأردن قبل صيف بتصدير الكهرباء للبنان عبر سورية، وحتى في إجهاض المشروع الإقليمي الطموح جدا مع العراق ومصر تحت عنوان “الشام الجديد”!
في ملف الشراكات الإقليمية المستجد والصاعد بقوة ونجاح يجد الأردن نفسه فقيرا بالموارد مما يضع ثقله الجيوسياسي كرأسمال قادر على الدخول في الشراكات، مما يجعل الخبر “الثقيل” الذي تسرب لنا عبر مصادر مطلعة ومتعددة منطقيا بتحرك أردني “في سياق تفاهمات إقليمية” يرتب لعقد قمة حوار مع إيران بداية العام الجديد، وحسب الوارد من تلك التسريبات أن القمة سوف تستضيف إبراهيم رئيسي وقيادات من دول الخليج والعراق ومصر لإطلاق حوار إقليمي جاد في ملفات اقتصادية عنوانها الأساس البيئة والطاقة.
القمة المأمولة أردنيا “ومتفاهم عليها بالحد الأدنى إقليميا” وهي فكرة فرنسية، ستكون أرضيتها المفترضة امتدادا لحوار بغداد، تتزامن مع تغير جذري في سياسة أوروبا نحو الملف الإيراني يضع تساؤلات تبحث عن أجوبة تفسيرية، فاستراتيجية الاتحاد الأوروبي “المعلنة والمنشورة أخيرا” تميل نحو التشدد في الملف الإيراني في تحول معاكس للاستراتيجية القديمة التي أعلنتها أوروبا العام 2016 بعد “اتفاق أوباما”، ومن المحتمل أن يكون هذا التشدد الأوروبي “المستجد” والمرافق مع تشدد أميركي موازي، رسالة شديدة اللهجة للمتشددين في طهران، ودعما لتيار “تسوية” استطاع أن يتمدد منذ سنوات قليلة في مفاصل النظام الإيراني.
الأردن بحاجة إلى مثل هذا التحرك “الثقيل” على مستوى الإقليم لاستعادة شيء من دوره الإقليمي وهو يحمل هواجس ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وفوز يمين نتنياهو بكل ما يحمله ذلك من أخطار معلنة مسبقا.
المقال السابق للكاتب
اضافة اعلان