تبدأ عجلة أي إصلاح بالدوران بشكل صحيح عندما يلتقط المسؤول الحكومي الإشارات الملكية ويعمل على تنفيذها على ارض الواقع من خلال المتابعة والاشراف المباشر والتنفيذ، ولعلي لمست خلال أيام مضت تصريحات حكومية تشير إلى ان أصحابها (قد يكونون) التقطوا إشارات الملك الإصلاحية ووضعوا الخطط لتنفيذها على أرض الواقع.
صحيح، القصة لا تحتاج لكثير من التفكير فرأس الدولة يريد اصلاحا حقيقيا، لا لبس فيه، اصلاحا أساسه الاحزاب باعتبار ان الدولة الحديثة لا يمكن ان تقوم إلا من خلال البناء المجتمعي ووجود أحزاب ومؤسسات وقانون يحاسب الجميع ويقف الكل تحت سقفه لا فرق فيه بين عامل وعالم، ولا بين وزير وغفير او شمالي وجنوبي او شرقي وغربي او مدني وفلاح وبدوي، قانون يسود على الجميع ويسمو، ويشعر الجميع بعدالته، ولذلك فإن الجميع عليهم الكف عن إعاقة الحركة والطريق والذهاب والتفكير بأنجع الطرق للوصول لتلك الرؤية الملكية التي تم التعبير عنها مرارا وتكرارا، وثبتت في الأوراق النقاشية الملكية المختلفة.
أعتقد انه آن الأوان لكي تعمل جميع محركات الدولة بالاتجاه الذي رسمه الملك والذهاب نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، والتأسيس لشكل مختلف للدولة من خلال محاربة الفساد الصغير الكامن في الواسطة والمحسوبية، وتفعيل ديوان المحاسبة لأخذ دوره في المسائلة، وتفعيل كل اشكال هيئات محاربة الفساد لوضع حد لأي تطاول على المال العام، وقت ذاك نستطيع القول اننا قطعنا شوطا نحو التأسيس للدولة الحديثة، وان الأردن في مئويته الثانية سيكون مختلفا عما سبق.
لست حالما لدرجة انني اعتقد ان كل المشاكل قد تختفي بفعل عصا سحرية، لاسيما وانني اعرف عن كثب، حجم البيروقراطية الادارية التي ترتع في جهازنا الإداري، والتكلس الذي عشعش فوق ادمغة اداريين فيه، لدرجة ان مثل أولئك لا يستطيعون ولا يملكون القدرة على اتخاذ أي خطوات للتغيير، وسكنت ارواحهم بيروقراطية مترهلة ملازمة لهم وهم لا يعرفون، او يعرفون ويغفلون.
أولئك هم الاخطر على مشروعنا الإصلاحي ولذا علينا عدم منحهم فرصة تسيد القرار في أي من مواقع العمل والإنتاج والتفكير والتطوير وغيرهما من رؤى حديثة، فأولئك سنجدهم دوما يضعون عصا في الدولاب ويشككون دوما فيما يجري، وينثرون طاقات سلبية على أي مكان يحلون به، وقد ينجحون للأسف في حال بقائهم في سدة القرار بإخراج قطار الإصلاح عن مساره.
الإصلاح الذي يريده الملك ليس اصلاحا بالشعارات، وليس اصلاحا شكليا، وانما رؤية حديثة للأردن في المئوية الثانية، رؤية تجذر الاردن وتزيد من قواعده ثباتا، ولهذا وبغض النظر عن أي موقف من نظام تنظيم الانشطة الحزبية داخل مؤسسات التعليم العالي الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا، فإنني اعتقد ان الجميع عليه تجاوز ذلك وتفعيل الذهاب نحو الجامعات والتأسيس للعمل الحزبي فيهما، باعتبار ان العمل الحزبي متكامل.
وزير الشؤون السياسية والبرلمانية وجيه عزايزة وفق عندما قال إن من يعطل الحياة الحزبية في الجامعات ستتم محاسبته بمواجب القوانين والأنظمة والتعليمات، وانه لا يجوز تعطيل العمل الحزبي، وان النصوص واضحة ويجب أن تلتزم الجامعات بالقانون، وأن الواقع الجديد طموح جدًا، معربا عن امله بأن يزول الخوف من الطلبة حول الانتساب للأحزاب، وهذا تأشير إلى أن هناك من التقط ما يريد الملك.
فالشباب والطلاب هم المستقبل، وصناعته، وقادته، ويحددون مساراته، والجامعات من البيئات المناسبة للنشاط السياسي والحزبي لاحتوائها على الجزء الأكبر من الشباب والشابات، وهذا سيؤدي لتفعيل العمل بالحياة العامة بطريقة مميزة وتوظيف طاقات المواطنين والاستثمار بها بالتركيز على الشباب والمرأة، باعتبار أن العمل العام هو أداة رئيسية لبناء شخصية الفرد والبوابة الأمثل لصقلها.
للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا