أولويات الحكومة: كيف نتصرف؟

أعلن رئيس الوزراء د. عمر الرزاز مساء الإثنين أولويات عمل الحكومة للعامين المقبلين، من خلال ثلاثة محاور، ومجموعة طموحة من المشاريع، والتي رأى فيها بعضهم أنها بمثابة مشروع وطني متكامل، بينما آخرون آثروا أن يهاجموا الأولويات قبل أن يتريثوا قليلا لفحص جدية الرجل.اضافة اعلان
في كلام الرزاز الجديد قد يكون هناك ما أتى به الأولون، ولكن في المحصلة، حتى اليوم لم يطرح أحد مشروعا شاملا لانتشال البلد من المأزق الذي تمر به، وعلى الأصعدة جميعها؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
إن كان هناك من يريد أن يعزز دولة القانون والمؤسسات من خلال تحديث المنظومة التشريعية، وتكريس الشفافية والرقابة والمساءلة، فنحن بالتأكيد معه، ونسانده، إذ لا يمكن أن نكون سلبيين في تعاطينا مع أي مشروع، فقط، كونه من طرف الحكومة، وكأننا نصبنا من الحكومة وكل من يمثلها خصما أبديا من غير أن نمنح العقل ولو فرصة ضئيلة لأن يكون الحكم بيننا.
والأمر نفسه يمكن أن يقال عن المحورين؛ الثاني والثالث؛ دولة الإنتاج ودولة التكافل. فالحكومات المتعاقبة، ومنذ العام 2007، لجأت إلى فرض ضرائب مباشرة لتأمين الإيرادات المطلوبة، وخفضت من الإنفاق الرأسمالي، ما ساهم في دخول الاقتصاد الوطني في مرحلة كمون وركود، تدنت معها أرقام النمو، ولم يعد قادرا على توليد فرص عمل تواكب القوى العاملة، خصوصا من الخريجين الجدد، ما أدى إلى رفع أرقام البطالة إلى مستويات قياسية.
لا يتوجب علينا أن نكون سلبيين في النظر إلى مصلحتنا الوطنية، فقط، من أجل عدم التنازل عن أولوياتنا في معارضة الحكومة، فالمعارضة الوطنية الراشدة تلتقي مع الحكومات من أجل المصلحة الوطنية والصالح العام إذا رأت أن تلك الحكومات تقدم شيئا من الممكن أن يحدث فرقا ما في حياة المواطن. ولكن ليس من الطبيعي أن تبقى المعارضة على "لاءاتها" كما لو أنها تقدم نموذجا في الاستعصاء الذي لا يحله شيء!
من الطبيعي أن ننتقد الحكومة على كثير من المفاصل، ومن الطبيعي أن لا نكون معها في قانون الضريبة الذي ما نزال نراه غير عادل، ويؤثر كثيرا على الطبقتين؛ الوسطى والفقيرة، كما أننا نقف ضدها تماما في محاولتها البائسة لإقرار تعديلات خطيرة على قانون الجرائم الإلكترونية، وهي تعديلات نرى أنها تقود إلى تكميم الأفواه وتعطيل حرية التعبير، وحماية الفساد والفاسدين.
سنعارض الحكومة في كل مفصل نرى فيه مصلحة غير وطنية، وانتقاصا من دور المواطن والنخب في ممارسة الرقابة على عمل المؤسسات العامة. لكننا بالتأكيد سنكون إلى جانبها إن رأيناها تقدم مشروعات تهدف إلى تطوير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتستثمر في المستقبل من أجل تحقيق مبدأ الاعتماد على الذات، لكي لا نظل مرتهنين للخارج ومزاجياته العديدة.
أولويات الحكومة التي أعلنتها، هي أولوياتنا فعلا، ولكن يبقى سؤال الالتزام مشروعا في هذا السياق، فنحن لا نريد مجرد إعلان لذر الرماد في العيون، بل نريد التزاما حقيقيا بهذه المشاريع، وأن تغير الحكومات من نهجها في التعاطي مع المواطن على أنه "يسمع وينسى"، فهذه السياسة هي ما قادت إلى أن "يكفر" المواطن بجميع الحكومات، ويرى فيها متآمرا على قوته ومستقبله. فهل ستنجح حكومة الرزاز في أن تكون من يضع حجر أساس المصالحة مع المواطن؟