اغسلوا الأدمغة.. نمض بالإصلاح


عندما نكتب عن الإصلاح  الشامل (سياسي، إداري، اقتصادي) والذي تحدث عنه جلالة الملك في الأوراق النقاشية المختلفة، وأسس له من خلال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فإن تنفيذه يقع على عاتق كل مؤسسات الدولة (حكومة، مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان، مؤسسات مجتمع مدني، أحزاب ونقابات ومنظمات شبابية ونسوية وطلابية)، بيد أن الثقل الأساسي في تنفيذ البرنامج الإصلاحي يقع على عاتق السلطة التنفيذية بأدواتها الإدارية، ومجلس الأمة بشقيه، فأولئك طرفان مهمان يقع على عاتقهما مسؤولية التشريع وسن القوانين، والحكومة تضاف إليها مسؤولية السهر على تنفيذ القانون وسيادته.

اضافة اعلان


وسيادة القانون ليست كلمة تقال فقط وإنما هي فعل يحتاج لتنفيذ على أرض الواقع بحيث يلمسه المواطن والمغترب والمقيم في البلد والسائح والجميع على حد سواء، وسيادة القانون تحتاج لإرادة جادة ومراقبة حثيثة لكل طرف مهمته إعمال القانون وتنفيذه ومعاقبة كل من يتجاوزه أو تجاوز مواده، وسيادة القانون تعني إلغاء كل الأشكال الأخرى السائدة.


تلك مقدمة لا بد منها للتذكير برؤية الدولة في المئوية الثانية، وأيضا تذكير لطرفي التسريع والحكومة أن الإصلاح يحتاج لقوانين تعبر عن تلك الرؤية، ومشرعين لديهم رؤية جامعة وعميقة ومستقبلية عندما يتعلق الأمر بسن التشريعات، فالقانون لا يعبر عن رؤية فرد أو طرف، وإنما هو انعكاس لحال الدولة وتطلعاتها المستقبلية، والنواب والأعيان والحكومة يتطلب منهما قياس مواد التشريع بميزان الذهب، والتعامل مع المشاريع وفق رؤية الدولة الحديثة، وتغييب العواطف والأحكام المسبقة عند التشريع، ووضع رؤية الإصلاح أمام العين عند التصويت أو الإقرار دون تغييب لمصلحة الدولة وسياستها الحديثة.


خلال السنوات الثلاث الماضية سنّت غرفتا التشريع عشرات القوانين التي أرسلتها الحكومة للنواب والأعيان، بيد أن بعض تلك القوانين لم تكن تتوافق مع الرؤية الإصلاحية للدولة وبعضها ربما يحتاج لمراجعة متأنية، باعتبار أن الإصلاح يتطلب تشريعات وأنظمة تحميه، وتعبر عنه، وهذا في عهدة الحكومة التي تصدر هي وحدها الأنظمة والتشريعات اللازمة.


الآن بعد تلك المقدمة، على الحكومة وغرفتي التشريع الوقوف أمام الواقع وقراءته بوضوح، والسؤال هل أسسنا على مستوى مؤسسات الدولة للرؤية الإصلاحية التي نتحدث عنها؟، هل يؤمن بعض رجال الدولة، حاليين وسابقين، بالفكر الإصلاحي ويسهرون على تنفيذه؟ هل مؤسسات الدولة تعمل جميعها وفق تلك الرؤية بعيدا عن أي رؤى تخالف منظومة الإصلاح؟.


أعتقد أننا بحاجة لنهضة بيضاء شاملة، نعتمد فيها على مقاربات جديدة وتشريعات حديثة لا وجود فيها لإرث الماضي وسلبياته، نعزز فيها سيادة القانون والمساواة، وبالتالي أراني أكثر قناعة أننا نحتاج لقوانين حديثة وليس قوانين معدلة، قوانين جديدة كليا، وأنظمة مبتكرة، ورقابة داخلية تكافئ الملتزم وتعاقب المتجاوز.


مثلا وليس حصرا… لسنا بحاجة أبدا لزيادة عدد لجان النواب مثلا والتزاحم على الترشح على عضوية تلك اللجان في بداية الدورة النيابية ومن ثم لا نجد عند إقرار القوانين وإرسالها للنواب تحت القبة لإقرارها والتصديق عليها، من قبل اللجان التي تزاحم عليها النواب سوى نائبين أو ثلاثة أو أربعة.


وأيضا لسنا بحاجة لاجتماعات لا تضع حلولا واقعية لمشاكلنا الاجتماعية وأبرزها السير والمخدرات والتوجيهي، والقبول الجامعي والصحة والسياحة والرياضة والثقافة والدراما، والطاقة والأسعار،  فكلها تحتاج لرؤى مختلفة من خارج الصندوق للتعامل معها. 


أيها السادة نحن نحتاج لغسل الأدمغة من رواسب الماضي والذهاب نحو التجديد والإصلاح ورفض أي تجاوز على الدستور أو القانون أو النظام الداخلي، وهذا يتطلب تعزيز الرقابة الداخلية في كل مؤسسات الدولة، والتأسيس لرقابة مهمتها مراقبة القرارات الصادرة وتوافقها مع القانون والدستور، وإعادة تلك التي تقر بالتمرير أو بأي شكل أو طريقة أخرى.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا