غسان الطالب*
يتردد على ألسنة العديد من خبراء الاقتصاد وعلى ضوء التطورات المتسارعة على اقتصاد العالم من جراء جائحة كورونا مخاوف عدة من مستقبل الاقتصاد العالمي، ثم التساؤل غير المعروفة إجابته في وقتنا الآن وهو: هل العالم مقبل على مرحلة جديدة من مراحل الكساد أو الانهيار في المنظومة الاقتصادية العالمية؟. يبدو هذا السؤال منطقيا لما نراه ونشاهده اليوم من انتكاسات اقتصادية وتراجع لمعدلات النمو الاقتصادي في العديد من دول العام بسبب الإغلاقات وتوقف الإنتاج في العديد من القطاعات الاقتصادية وتحديد حركة السفر ثم تراجع النشاط الاقتصادي العالمي بشكل عام قد يبدو أن الإجابة عن هذه الأسئلة تحمل سيناريوهات عدة، منها تأخر حالة التعافي الاقتصادي لأعوام عدة، والحديث عن مستقبل التعافي الاقتصادي لا بد وأن يكون مرتبطا بسلامة النظام المالي والمصرفي العالمي الذي تشكل فيه الصناعة المصرفية الإسلامية عنصرا مهما ولها دورها كذلك في المساهمة في الاستقرار الاقتصادي لانتشارها الواسع في الأعوام الأخيرة.
ما وددنا الحديث عنه بعد هذه المقدمة هو، هل نحن جاهزون لمواجهة أي تطور جديد قد تتعرض له الصناعة المصرفية الإسلامية في وجود تحديات خارجة عن إرادتنا كما هو الحال مع جائحة كورونا، وهل يمكن لها أن تكون ذلك اللاعب نفسه في مواجهة الأزمة المالية السابقة في العام 2008، ومن المنطقي أن هذه الجاهزية تتطلب وضع استراتيجية مدروسة وخطط لأسوأ الاحتمالات تسمح لنا الثبات في وجه هذه الأزمة في حال استمرارها.
التقلبات الاقتصادية التي تتعرض لها بعض الدول الرأسمالية وتعرضت اقتصاداتها بشكل مباشر لأزمة جائحة كورونا التي سبق وأن أبدت رغبتها في احتضان لبعض النشاطات المالية الإسلامية، ففي أوروبا تسعى لندن لأن تكون عاصمة للمالية الإسلامية على مستوى العالم ثم تحرك سريع من ألمانيا وفرنسا وروسيا وإلى حد ما اسبانيا التي تعاني من ارتفاع لمعدل البطالة وتراجع معدل النمو الاقتصادي لديها، سعت جميعها الى احتضان بعض النشاطات المالية للمصارف الإسلامية ومنتجاتها وكما هو الحال في اقتصادات بقية دول العالم المتداخلة في علاقاتها؛ حيث تتجه اليابان إلى الركود، وأوروبا توشك على الانكماش، واستمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وأخيرا انسحاب المملكة المتحدة النهائي من الاتحاد الأوروبي، وهكذا هو حال دول العالم اليوم، ومع استمرار هذا الوضع فإنه من الممكن أن يؤثر على نمو حجم الأصول لدى المصارف الإسلامية والتي كان من المتوقع لها أن تصل قبل العام 2024 الى حدود 4 تريليونات دولار، إضافة الى ما يمكن أن تتعرض له هذه الدول من اختلالات ومشاكل في موازناتها قد تعيق من تحقيق نمو اقتصادي طموح يشكل أرضية مناسبة لزيادة حجم نشاط المصارف الإسلامية على أراضيها، ولا يغيب عن البال عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده العديد من الدول العربية والإسلامية في المنطقة، الأمر الذي انعكس على تراجع فرص الاستثمار وهجرة رؤوس الأموال الى اماكن اكثر امانا ادى الى حدوث فراغ اقتصادي وغياب لنشاطات المصارف الإسلامية في هذه الدول.
في الوقت الذي كان من المؤمل فيه أن تمثل أسواقها المالية والمصرفية إضافة نوعية للصناعة المصرفية الإسلامية وعلينا أن نستعد لهذا التحدي وبكل ثقة؛ فكما تجاوزنا نتائج الأزمة المالية العالمية التي تداعت أمامها وانهارت أضخم المؤسسات المصرفية العالمية، فإن قطاع المصرفية الإسلامية يمتلك إمكانات اقتصادية مادية وأخلاقية إذا أحسنا استخدامها سنواجه جميع هذه التحديات ونخرج من هذه الجائحة المستجدة بثبات ولو بعد حين.
*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي
اضافة اعلان