“هرم بلوم” لمستويات الأهداف الدراسية ونطاقاتها، يقسم النطاق الإدراكي إلى مستويات ستة: التذكر، الفهم، التطبيق (التركيب)، التحليل، التقويم والابتكار.
هذا التقسيم يضعنا أمام معضلة حقيقية، إذ يلاحظ أكاديميون وخبراء مناهج، أننا نقبع في قاع الهرم، وفي أحسن الأحوال نصل إلى المستوى الثاني؛ الفهم، ونادرا ما ندرك المستوى الثالث المتعلق بـ”التطبيق”.
تتبدى واقعية الملاحظات من خلال إجراء مراجعات عامة للنتاجات السابقة والحالية، لنتأكد أن جميعها تقبع عند “مستوى التذكر”. من الممكن أن تساعدنا أنماط الأسئلة الأكثر تكرارا في امتحانات الصفوف جميعها للتقييم، إذ تدور في معظمها حول “اذكر، عدد، عرّف.. إلخ”.
خلال عملية بحث طويلة، نسبيا، على محرك البحث “غوغل”، لم أجد دراسات محلية كثيرة تتناول هذا الأمر بالبحث، لكن دراسة للباحثة هيام المومني من جامعة البلقاء التطبيقية، حول مستويات أهداف المجال المعرفي في أسئلة امتحانات الثانوية العامة لمبحث الثقافة العامة في الأردن، أظهرت نتائجها ارتفاعاً ملحوظا في أسئلة مستوى التذكر، ونسبة مقبولة في مستويي الفهم والتحليل، وانخفاضا ملحوظا في مستوى التطبيق، بينما انعدمت النسبة في مستويي التركيب والتقويم.
الدراسة ونتائجها تدلل على جوهر المحتوى المنهاجي والتعلمي، وتبين الدرجة التي يقبع فيها نظامنا التعليمي بأكمله، والذي يظهر مجافيا لتنمية أي مهارات عليا، خصوصا عمليات التفكير. يعلق أحد خبراء المناهج على النظام بالقول: “نحن نُعلِّم وجبات جاهزة، أشبه ما تكون بـJunk food، بينما لا نهتم بتعلم الطلبة كيفية إعداد الوصفات، أي عملية الطبخ ثم النتيجة”.
الأمر يبدو محبطا كثيرا، خصوصا حين يتنافخ مسؤولونا التربويون وهم يتحدثون عن علوم القرن الحادي والعشرين، بينما مناهجنا، في الحقيقة، تتأسس على قياس الحفظ والتذكر، وتم تصميمها على أساس “النتاجات” وليس عمليات العقل والتفكير.
نحن نقدم معلومات مبتورة ومجزأة، لا تستطيع الإسهام في تنمية التفكير، ونكتب في النتاجات أن الغاية تنمية التفكير الإبداعي أو الناقد، أو غيرها، وحين نأتي للمحتوى، والذي يعتبر ترجمة للنتاجات، نكتشف أن الأمر ليس أكثر من “مقولات” أو شعارات لا تمتلك لها قاعدة حقيقية على الأرض.
البناء المعرفي عملية تبدأ من الملاحظات والشواهد والأدلة التي يتعلمها الطفل بالحواس، ويقوم بتطويرها ومعالجتها. الأصل في أي منهاج أن نبتعد وأن نتجنب عن وضعها كحقائق مطلقة، لكي لا يعلق الطالب في “مستوى التذكر”، بل أن ننطلق من المفاهيم وعلاقاتها المشتركة، لكي يقوم عقل الطالب بعملية التصنيف، وهي عملية ذهنية تؤدي إلى تنمية التفكير.
اقتصار المناهج على المعلومات المبتورة والمجزأة، يضع قيودا على تنمية التفكير، ويؤدي لعملية معاكسة تسهم انغلاقه، وتجعل الطالب حبيسا بما يحفظه من “معلومات”، وليس مما يراد بناؤه وهو “المعرفة”، وهذا هو الحال في مناهجنا اليوم.
إن كان علينا أن نبدأ بعملية إصلاح تعليمي حقيقية، فينبغي أن نعنى كثيرا بهذا الجانب المهم الذي من الممكن أن ينهي إلى غير رجعة نظام التلقين والاسترجاع الذي يشكل مأزقا حقيقيا لمخرجات التعليم لدينا. علينا أن نعلي من شأن عمليات العقل في مناهجنا، وأن نعتني بكيفية عرض المحتوى المنهاجي، وألا يقتصر الحديث على “ما هو المحتوى”، فالتوجهات الحديثة تضع طريقة العرض في مرتبة متقدمة بالأنظمة التعليمية.
إن مزيدا من الدراسات حول مستويات أهداف المجال المعرفي، ستزيدنا تأكيدا بأننا في ذيل عمليات العقل، وأن نظامنا التعليمي لا توجد له أهداف تتأسس على رفع مستويات المعرفة التي ينبغي لأجل تحقيقها التركيز على مستويات: التحليل، التركيب والتقويم. هذا الأمر يوصي مختصون أن يتم من خلال “تدريب واضعي الأسئلة على صياغتها وفق مستويات المجال المعرفي بشكل متوازن يتناسب مع أعمار الطلبة”.
لكن، المسألة لا تتحدد بالأسئلة المكتوبة في الامتحان فحسب، بل أيضا من خلال الأسئلة التي يطرحها المعلم داخل الغرفة الصفية، وطريقة طرحها، حتى تقنيات طرحها بما تحمله من اتصال بصري، وسكوت بين إجابة الطالب وسؤال المعلم، كلها تقنيات تدخل في صميم عمليات التعليم الحديثة.
بالتأكيد هناك أفكار أخرى كثيرة لدى خبراء مناهج وتعليم، قادرة على تطوير مناهجنا، بما تحمله من نظرة شمولية لنظامنا التعليمي ومخرجاته برمتها. المهم أن نعرف من أين نبدأ!
اضافة اعلان