الحكومة والمعلمون.. نعول على العقلاء

من المهم جدا أن نتجاوز آثار ما حدث الخميس الماضي، والتي لا شك أنها حفرت عميقاً في الوجدان الأردني، والتجاوز مطلوب به من الجهتين؛ الحكومة والمعلمين، للتوصل إلى صيغة تفاهم مرضية، ننهي فيها هذا الملف المهم، والذي من الممكن أن يؤثر على أبنائنا الطلبة.اضافة اعلان
الأمر يجب أن ينظر إليه ابتداء من الأهمية البالغة لتحسين أحوال المعلمين ماديا لما لذلك من ارتباط مباشر وكبير مع عطاء المعلم وقدرته على أداء دوره العظيم المنتظر منه.
نعم علينا أن نكون منصفين وأن نعترف بأن واحداً من أهم أسباب تراجع بل وتدهور العملية التعليمية ومخرجاتها في الأردن، هو تراجع المعلم في تراتبية السلم الاجتماعي لانه لم يتقدم ماديا عبر سنوات طويلة، ووظيفته أصبحت من بين الوظائف غير المجزية في الأجر، ما أدى إلى تراجع قيمته وهيبته وتقديره اجتماعياً، وأفقده أدنى درجات الرضا وأوقعه تحت ضغط اجتماعي كبير أثّر لا محالة على أدائه.
لم نكن نتمنى أن يصل الأمر بالمعلمين إلى الاعتصام يوم الخميس، وكنا نعول على عقلاء وحكماء من الجهتين لكي ينتهي الخلاف إلى تفاهمات تقينا ما حدث. ولكنني هنا أتحدث في أمر آخر، صحيح أنه على تماس بالحدث كونه خاصا بالمعلمين، ولكنه ذو بعد أكثر اتساعا، وهو وضع المعلم بشكل عام، فالدول التي تسعى بحق إلى نهضة بلدانها وتنمية مجتمعاتها وتطور شعوبها، تولي المعلمين أهمية بالغة في مختلف النواحي، تبدأ بتمكينهم مادياً عبر تحسين رواتبهم ومنحهم ميزات وإعفاءات وتسهيلات عديدة في مجالات العلاج والإسكان والنقل وتعليم الأبناء، وتمتد إلى التمكين الفني والمهني من حيث التأهيل والتدريب وتطوير المهارات وتوفير الأدوات وغيرها.
بينما في بلداننا، وللأسف، يفتقر المعلم إلى أدنى مقومات التمكين، فهو إلى جانب ما يعانيه من تردي حالته المادية والاجتماعية، يعاني أيضاً من نصاب الحصص الزائد عن طاقته، ومن أعداد الطلبة المرتفعة في ظل الاكتظاظ الصفي والمدرسي الذين يضطر للتعامل معهم بمختلف أمزجتهم ومستوياتهم العقلية والعلمية والاجتماعية وسط بيئة مدرسية متهالكة تفتقر إلى المرافق والأدوات اللازمة لعملية تعليمية صحية وسليمة.
المطالبة بتحسين أوضاع المعلمين المعيشية اليوم، يجب أن لا تكون مطلباً للمعلمين وحدهم، وإنما يجب أن تكون مطلباً شعبياً لجميع أبناء المجتمع الأردني، هذا المجتمع الواعي المدرك تماماً لأهمية المعلم ودوره، والذي يفهم حاجة الوطن في هذا التوقيت بالذات للنهوض بالتعليم وأهم أركانه المعلم، خصوصا في ظل هذه الهجرة الواسعة غير المسبوقة من المدارس الخاصة إلى الحكومية.
ما حدث، وبعيداً عن تبعاته الآنية ذات الأبعاد الإدارية للأزمة من إغراق عمان بازدحامات مرورية وشل الحركة في العاصمة والطرق الرئيسية المؤدية لها، ومن ردود أفعال الناس ومواقفهم تجاه الاحتجاجات، يحمل تبعات تربوية جسيمة ستكون بالغة الأثر ما لم يتم حل الخلاف بحكمة وبدرجة عالية من المسؤولية.
التلكؤ بإعادة ما تم تبديده من بقايا هيبة واعتبار المعلم، ستكون له كلفة باهظة، سيدفعها الوطن بأكمله لسنوات طويلة قادمة. ولكننا نعول دائما على وجود عقلاء وحكماء في الحكومة وفي نقابة المعلمين، يمكن لهم أن يعيدوا الأمور إلى نصابها الصحيح، لكي يتمكن أبناؤنا مواصلة تحصيل علمهم بطريقة طبيعية.