خلال الشهرين الماضيين أتيحت لي الفرصة للاطلاع على عدد من التقارير الدولية والمحلية التي أصدرتها جهات مرموقة حول الاقتصاد الأردني، تلك التقارير وان اختلفت في تقييم طبيعة التحديات والاولويات التي يجب العمل عليها، من ناحية السياسات المالية والاستثمارية او النقدية، وأي الأدوات الأكثر نجاعة لتحريك عجلة النمو وتوليد فرص العمل، إلا أنها أجمعت تقريبا على ضرورة حسم سؤال رئيسي حول القطاعات التي يجب التركيز عليها والتي تعتبر ذات أولوية ولها آفاق كبيرة ويمكن ان تكون قاطرة للنمو الاقتصادي.
هذه القطاعات تتمحور حول ثلاثة أنشطة رئيسية وما يتبعها من أنشطة فرعية. وبطبيعة الحال لا يعني التركيز على هذه القطاعات اهمال قطاعات أخرى، لكن تتميز هذه القطاعات بأنها واعدة ضمن المعطيات الحالية، ويلعب القطاع الخاص فيها دورا كبيرا، ولا تحتاج الى الكثير من الاستثمارات الجديدة بل تتطلب اكثر الى استغلال الموارد المتاحة بالشكل الأمثل وتعزيز التنسيق والتناغم بين مختلف الجهات الفاعلة لتعزيز الانتاجية وتشكل روافع تقود التحول الاقتصادي.
اول هذه القطاعات هي السياحة بكافة أنواعها والتي شهدت خلال الأعوام القليلة الماضية تطورات ملحوظة لا سيما في عهد الوزيرة لينا عناب التي تفاعلت بشكل كبير مع القطاع الخاص وفككت الكثير من الاحتكارات القائمة واتبعت مقاربة ميدانية في العمل نأمل ان تستمر لمعرفة طبيعة التحديات التي تواجه القطاع، والمقصود هنا كافة اشكال السياحة الترفيهية والدينية والعلاجية، ولا شك ان حجم هذا السوق غير محدود، ويمكن لهذا القطاع ان يرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الى نسب مرتفعة، وهذا أيضا كان احد نتائج حوار اجراه منتدى الاستراتيجيات مع الحكومة وبمشاركة القطاع الخاص.
القطاع الثاني هو قطاع تكنولوجيا المعلومات، هذا القطاع حقق نتائج لافتة خلال الأعوام القليلة الماضية، والعمل فيه يقوم على الابداع والموارد البشرية وتوليد القيمة المضافة من خلال توظيف الموارد البشرية والمواهب المحلية، وبالتالي فإن هذا ينسجم مع حقيقة ان موارد الأردن الطبيعية الى جانب التوجهات العالمية التي تشير الى ان اكبر خمس شركات في العالم قائمة على تكنولوجيا المعلومات وليس الإنتاج التقليدي، ورغم ان الاقتصاد المعرفي ليس جديدا على الساحة، إلا ان اللحاق بالركب، وتحويل الأردن الى مركز إقليمي قادر على المنافسة تشكل فرصة سانحة لن تبقى مفتوحة على اطلاقها. وخلال حوار حضرته مؤخرا للعاملين في القطاع فإن ما يحتاجونه هو توجه استراتيجي والالتزام بذلك حتى تستطيع الشركات العاملة التخطيط للمستقبل بوضوح ودون خوف من التغييرات المتعاقبة.
القطاع الثالث هو اللوجستيات والنقل، وهذا القطاع يعتمد خدمات التزويد والشحن وخدمة اطراف ثالثة، وهنا تبرز أهمية الموقع الجغرافي وكيفية استغلال الموقع للغايات التجارية والاستثمارية، ولنجاح هذا القطاع لا بد من رفع سوية مرافق البنية التحتية والتعاون من كافة الجهات لضمان الفعالية والتناغم .
آن الأوان لأن يتبنى الأردن مقاربة تقوم على المزايا التنافسية، ويفسح المجال ويسهل تنفيذ مشاريع ضمن هذه المحاور الثلاثة التي تظهر تميز الأردن وقدرته على توليد فرص العمل والدخل، ويمكن للقطاعات التقليدية ان تستمر في العمل، ولكن على مدى عقود من العمل التنموي لتحقيق التوازن القطاعي والجغرافي، لم يتحقق الهدف المرجو وهو ما يدعو الى نهج جديد اكثر جرأة يقر بما يمكن وما لا يمكن عمله.
اضافة اعلان