تسير وتيرة الحرب الكلامية المحتدمة بين الولايات المتحدة وإيران بسرعة غير متوقعة، وفي الوقت الذي تعلو فيه النبرات بدأ شرر الطلقات يفلت من السيطرة؛ بعدما تعرضت ناقلتا نفط تتبعان لشركة أرامكو السعودية لصواريخ من قبل جماعة أنصار الله الحوثية اليمنية، ما دفع السعودية الى تعليق تصدير النفط بشكل مؤقت عبر مضيق باب المندب بعد الواقعة. على الرغم من محاولة جماعة الحوثي عدم ربط هذا الحادث بتطورات التصعيد الإيراني الأميركي، إلا أن هذا العمل العسكري زاد من وتيرة التصعيد، فيما تؤكد كل المؤشرات أن المتضرر الأكبر من أي جحيم حرب إيرانية أميركية سيكون بالدرجة الأولى دول الخليج العربي قبل إيران والولايات المتحدة، وتذهب بعض السيناريوهات الى أن أي حرب من هذا النوع قد تعيد هذه المنطقة نصف قرن الى الخلف على أقل تقدير.
من الواضح أنه بتتبع سيرة نمو الأزمة الإيرانية-الأميركية الأخيرة، أن الطرفين يلعبان بذيل الأسد وبأنفه أيضا، لقد مارس الرئيس الأميركي منذ وصوله للبيت الأبيض سياسة استفزازية حيال إيران، بدأها في الخروج من الاتفاق النووي الشهير، ويختمها هذه الأيام بخطة جديدة من التشدد والتضييق على النظام الإيراني تستهدف إسقاطه من الداخل والاستراتيجية التي أعلنت مؤخرا ويبدو أنها قيد التنفيذ حاليا، وتبدو في محاولة منع إيران من الاستفادة من أي عوائد نفطية؛ أي منعها عمليا من تصدير النفط وممارسة ضغوط اقتصادية ومالية هائلة وتشكيل تحالف دولي وإقليمي لممارسة هذه الضغوط، وخلق حالة من الفوضى في الداخل بفعل الضغوط الاقتصادية كما حدث مؤخرا بعدما وصل تردي الأوضاع المعيشية وتراجع الريال الإيراني الى درجة غير مسبوقة.
وفي المقابل، لا تتوقف إيران عن التقدم في مشروعها باتجاه الشرق الذي يستهدف خلق وقائع جديدة في المحيط الإقليمي العربي، فهذا المشروع بات يتمتع بوضوح استراتيجي ولا يحتاج الى أدلة، كما هو الحال بأفعال استراتيجية أخرى منذ استئنافها تجارب تطوير وإطلاق الصواريخ الباليستية وصولا الى التهديدات الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية.
يمكن أن تستوعب إيران الضربات الأميركية والإسرائيلية للقوات والمواقع الإيرانية في سورية، ويمكن أن نتصور سيناريو قريبا لخروج القوات الإيرانية من سورية، لكن الأمر الذي لا يمكن أن يسمح به النظام الإيراني بأي ثمن أن يمنع من تصدير النفط، كانت صادرات النفط الإيرانية وصلت ذروتها في نيسان الماضي الى 2.6 مليون برميل يوميا؛ حيث شهدت هذه الصادرات نموا كبيرا بعد رفع الحصار والعقوبات ثمرة الاتفاق النووي.
الولايات المتحدة تسعى الى خلق حالة جديدة في سوق النفط العالمي عبر حملة من الضغوط السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لمستهلكي النفط الإيراني بهدف الوصول الى تشرين الثاني المقبل وقد أكمل طوق الحصار وأوقفت تصدير النفط الإيراني، وتعويض السوق العالمية بنفط سعودي.
إلى ذلك الوقت، ثمة سيناريوهات وتهديدات متبادلة تصل الى درجة إشعال حروب وليست حربا واحدة؛ فالعالم المستهلك للنفط الإيراني في أوروبا وآسيا يعرف تماما ماذا يعني إغلاق مضيق هرمز وتهديد أمن البحر الأحمر وإغلاق باب المندب، فهناك 40 % من الإنتاج العالمي من النفط يمر من هنا، وتصدر السعودية نحو 88 % من نفطها عبر مضيق هرمز، بينما تصدر كل من إيران والكويت وقطر والإمارات كل نفطها من هذا المضيق، ويعد مضيق باب المندب الأكبر عالميا في تصدير نفط؛ حيث تمر منه نحو 4.8 ملايين برميل يوميا.
الحرب الكلامية بين إيران والولايات المتحدة مستمرة بين الطرفين تتخلل الكلمات الغاضبة طلقات هنا وهناك، ولا أحد يدري كيف ستفلت الأمور وكيف تبدأ الحرب، ولكننا نعلم تماما من سيدفع ثمن هذه الحرب إن وقعت.
