المياه وآفاق الاستثمار في الأردن

main_image5d793470d898c
إياد الدحيّات
إياد الدحيّات*
يعد الأمن المائي في الأردن من المحاور الاستراتيجية الرئيسية التي تعمل على استدامة الحياة المعيشية للمواطنين وزيادة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل من خلال توفير المياه للاستخدامات المنزلية والاستثمارات الزراعية والسياحية والصناعية كافة. وتشهد المملكة، في السنوات الأخيرة، تغييراً مناخياً أسهم في تراجع نصيب الفرد من المياه، واتساع الفجوة بين الطلب على المياه والتزويد المائي، إضافة الى استنزاف المياه الجوفية. ومن هنا جاء حرص واهتمام جلالة الملك عبد الله الثاني (حفظه الله ورعاه) التوجيه بإعداد استراتيجيات لتحقيق الأمن المائي والتوجيه في طرح الحلول غير التقليدية لزيادة المياه المتوفرة للاستخدامات المنزلية ولدفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل للشباب.اضافة اعلان
وتعد المياه قوة دافعة للنمو الاقتصادي، وذلك بدءاً من استخراجها من منابعها، ومروراً بشتى أشكال استخدامها، وحتى رجوعها إلى الطبيعة. وفي هذا المقال، سيتم التطرق إلى مجموعة من أفكار المشاريع الريادية والفرص الاستثمارية في القطاعات الزراعية والسياحية التي تعتمد على استغلال المياه بعيداً عن مصادرها التقليدية وتسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
بداية، وضمن جهود تعزيز الأمن الغذائي والزراعة المستدامة في المملكة، يجب العمل على إيجاد مصادر مياه إضافية تدعم نمو القطاع الزراعي في ظل تناقص كميات المياه الجوفية المتوفرة في المملكة، وإعداد استراتيجية جديدة وخطط ومشاريع لتحقيق الأمن الغذائي من خلال تعمير الصحراء بالزراعة. ويكون ذلك من خلال إجراء تقييم شامل من النواحي الاقتصادية والفنية والبيئية لإمكانية تحلية واستخدام مياه البحر الأحمر/ العقبة في الزراعة ضمن مناطق وادي عربة، المدورة والقويرة في المناطق الجنوبية، حيث أثبتت نتائج الدراسات والتجارب العالمية فعالية استخدام مياه البحر المحلاة في الزراعة. وعليه، لابد من استغلال هذه النتائج والانطلاق منها في بيان المساحات الزراعية المتوفرة وتحديد أنواع المحاصيل المطلوبة، مع الأخذ بعين الاعتبار نظم الزراعة والري والتقنيات الزراعية المناسبة مع إمكانية استخدام مصادر الطاقة المتجددة، والعمل على إشراك القطاع الخاص للاستثمار والتعاون الزراعي في تحديد احتياجات الأردن زراعياً والبدء في تنفيذ هذه المشاريع بكفاءة عالية. كذلك يجب استغلال مياه الأمطار من خلال إنشاء البحيرات الصناعية والسدود والحواجز الترابية بشكل متكامل، وخاصة في المناطق الجنوبية التي تعاني من قلة الموارد المائية شريطة أن تتضمن جميع أساليب الحصاد المائي وضمن تكلفة منخفضة. كل هذا سيخلق بيئة صحراوية مهيأة للزراعة وتخفف من حدة التدهور البيئي وتتكيف مع التغيرات المناخية، ولعلها وسيلة في جمع كل قطرة من مياه الأمطار واستغلالها للنمو الاقتصادي.
ولقد أشارت رؤية التحديث الاقتصادي إلى جعل المملكة مقصداً رئيسياً للسياحة، لاسيما السياحة العلاجية والاستشفائية؛ حيث تنبع في المملكة كثير من الينابيع والمياه المعدنية الحارة التي تصل حرارتها إلى 64 درجة مئوية وتنساب في مجاري الأنهر والأودية لتصب أخيراً في البحر الميت. تقدم هذه الينابيع والمياه المعدنية أنشطة علاجية خصيصاً في مناطق حمامات ماعين وزارا، والحمة الأردنية، وادي العرب، وادي الحسا ووادي عفرا وغيرها، والتي أصبحت منتشرة على نطاق واسع. ولعل الخطوة القادمة تكمن في تحديث دراسات تقييم مصادر مياه الينابيع والمياه المعدنية الحارة لبعض المناطق المختارة وعمل خريطة لهذه المياه للاستفادة منها في التنمية والاستثمار وتعظيم الفائدة كونها إحدى الركائز المهمة التي ستساعد على تطوير الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، وتسهم في إنشاء "مدن ومنتجعات معدنية" في المناطق غير المستغلة منها.
وتأتي أودية الأردن وسدودها لتشكل نظاماً بيئياً فريداً يتميز بالتنوع والثراء الطبيعي، وتشكل السدود إحدى أبرز وجهات السياحة الداخلية؛ حيث يقصدها الكثيرون للاستمتاع بجمال الطبيعة والهواء العليل المنعش والمناظر الخلابة التي تحيط بها. وتعد سدود الملك طلال والوالة وكفرنجة من أشهر السدود التي يرتادها الكثير من المواطنين لغاية الاستكشاف والاستجمام بتجمعات المياه أثناء هطول الأمطار وغيرها وتعد من أهم نقاط الجذب السياحي. ومن الضروري إعداد الدراسات حول كيفية استثمار محيط هذه السدود كمقاصد للسياحة الداخلية والخارجية من خلال إنشاء مشاريع سياحية مع الحفاظ على حرم السدود ضمن القوانين النافذة. هنالك حاجة إلى إنشاء مشاريع سياحية حول السدود لما ستحققه من فوائد جمّة، وفي مقدمتها استمرار الوعي بأهمية السدود في المساهمة بحل المشكلة المائية، إلى جانب تنشيط السياحة الداخلية والخارجية باعتبارها عنصراً مهماً من عناصر تنويع الدخل الوطني الذي بات عنواناً للعمل الوطني في المرحلة الحالية والسنوات المقبلة. إضافة لذلك، وللوصول إلى تطوير وتعزيز السياحة المائية، ينبغي وضع خطط خاصة بالسدود لتحقيق الاستفادة المثلى من كميات المياه المحتجزة فيها وتطوير مرافقها السياحية لتوجيه الاستثمار السياحي فيها بما يحقق أهداف التنمية، لتكون وسيلة لكسب العيش للعمالة الوطنية بما توفره لها من وظائف وأعمال وفرص استثمار في هذا المجال.
وختاماً، يجب العمل على تسويق وإبراز هذه الفرص الاستثمارية وتنفيذها بعد إعداد دراسات الجدوى لها مع إشراك المجتمعات المحلية فيها وتوضيح الأدوار المهمة التي ستلعبها في تحسين الدخل والنمو الاقتصادي حسب ما جاء في رؤية التحديث الاقتصادي وبرامجها التنفيذية، وزيادة الاهتمام في مجال علوم الصحراء والتصحر وطرق تحلية مياه البحر للأغراض الزراعية، مع الأخذ بعين الاعتبار تجارب وخبرات الدول المجاورة والأبحاث العلمية في هذا المجال، وعقد التحالفات الإقليمية التعاونية التي من شأنها وضع الأردن على الطريق الأمثل لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي وإحداث نقلة نوعية في المرحلة القادمة.
 
*الأمين العام الأسبق لسلطة المياه