تهاني روحي
من منطلق أهمية التقاطعية بين قطاع العدالة والحماية الاجتماعية، أجبرتني ندوة حوارية أن أستمع بانتباه لكل كلمة وان تجعل جميع المشاركين يفكرون في كيفية المساهمة كل بدوره في احداث التغيير المطلوب، على الأقل المساهمة في رفع درجة الوعي تجاه عنوانها الذي نظمته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) عن تماسك الأسرة.. بين التشريعات الناظمة وشبكات الحماية الاجتماعية.
لقد سمعنا من الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، أرقاما مرعبة عن جرائم العنف الأسري في السنوات الأخيرة، وعن زيادة نسبة معدل الاتجار بالمخدرات ما بين الأعمار الفتية الشابة ولا داعي هنا لسرد آثارها على التماسك الأسري وارتفاع معدل الجريمة فيما بين افراد الأسرة نفسها، ناهيك عن تصدر الأردن للمرتبة الثالثة في حالات الطلاق بين الدول العربية، فلا بد من السرعة في اغلاق الفجوات وأن يرى مشروع قانون الطفل النور قريبا. فما تزال نحو 42 % من الأسر ترفض التدخل في شؤونها الداخلية وترفض تطبيق القانون عليها بحسب د. محمد مقدادي. ولا يمكن حصر العنف في صورة أو شكل واحد، فثمة صور مختلفة لجرائم العنف المرتكبة، وتشترك جميعاً في الآثار السلبية التي تخلفها بما يشمل الضحية والأسرة والمجتمع ككل، سواء كانت هذه الآثار نفسية أو جسدية، وحتى اقتصادية أو اجتماعية.
إن الفكرة الخاطئة بأن العنف داخل أعضاء الأسرة هو شأن عائلي داخلي لا بد من مواجهته، فالمنزل والعائلة وثقافة الفرد وتقاليده الخاصة لم تَعُد هي الحَكَم النهائي للفعل المنصف، حيثما كان الموضوع هو العنف. فالعائلة هي البيئة التي ينشأ فيها الأطفال ويشكلون وجهات نظرهم بخصوص أنفسهم والعالم والهدف من حياتهم. خاصة وان قانون الحماية من العنف الاسري هدفه توسيع مظلة الحفاظ على الاسرة وتماسكها التي قد يحدث عنف بين افرادها باستحداث اجراءات بديلة للعقوبة من شأنها اصلاح الاسرة وتمكينها من تجاوز العقبات التي تواجهها.
وتعد هذه الجلسة الحوارية، واحدة من ضمن ست جلسات كجزء من مشروع تعزيز ثقة الجمهور في قطاع العدالة من خلال الحوار الاجتماعي والذي تنفذه المنظمة (أرض)، وتركز على توضيح دور شبكات الحماية الاجتماعية في الأردن، ومناقشة الفجوات المحتملة في القضايا المتعلقة بالعنف الأسري وجرائم العنف ضد المرأة، فضلاً عن دور منظومة الحماية الاجتماعية في تماسك وتعزيز تحصين الأسرة الأردنية.
أسئلة كثيرة متشابكة ومحيرة جاءت من الحضور، حاولت خلالها مديرة الجلسة بسعة اطلاعها وخبرتها ان تستوعبها جميعا ومناقشة كيف يمكن تأهيل الأزواج ليكونوا آباء يدركون مسؤولياتهم العائلية وان يقدموا احتراما متساويا لأبنائهم سواء من الذكور أو الاناث، ودور الأم التي تعد المربية الأولى لأطفالها حيث تغرس القيم الاخلاقية والروحانية والاحترام والمواطنة الصالحة فيهم. وهي أمور أساسية عليها ان تقوم بتربيتهم بطريقة فعّالة لتنمية وتعزيز الاحترام لجميع الناس، حتى يتمّ الحفاظ على عزّة الإنسان وكرامته وخلق فكر أخلاقي يعمّ المجتمع بأكمله، ويدعم ويحافظ على كافة الحقوق الإنسانيّة. ولا شيء غير غرس هذه القيم يمكن أن يُحدث تحوّلًا لدى الأفراد والمؤسّسات، بشكل يؤمّن احترام حقوق الإنسان لجميع البشر.
شكرا لمنظمة (ارض) التي وفرت سلسلة من الفضاءات في وقت يواجه الشارع الأردني ارتباكا ما بين مؤيد لمسودة قانون الطفل وشيطنته بذرائع مختلفة. إلا أن ذلك لا ينفي الحاجة الملحة في ضوء الأرقام والنسب المتزايدة للعنف الأسري، لوقفة جادة لمراجعة منظومة الحماية في الأردن سواءً من خلال إعادة التعريف بالخدمات أو تجويدها أو مراجعة التشريعات التي من شأنها ردع المعتدين وتشديد العقوبات لأنها تؤثر بشكل سلبي على الأسرة. كما نحتاج لخطة تشاركية تسد فيها الفجوات ولا تقتصر على التوعية بالعنف وآثاره المجتمعية فحسب، بل يجب ان تكون هناك برامج عملية ناتجة عن قراءة متأنية لواقعنا ولا تستثنى منه جذور المشكلة من فقر وبطالة وتعاط خاصة وان شبكة الحماية والأمان في حياة المجتمع أصبحت مهترئة بشكل يحتاج لإصلاح جذري.
المقال السابق للكاتبة
للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان