حوار مع صديقى السويدي

يتندر الرجال في السويد بقولهم: نحن مواطنون من الدرجة الرابعة بعد الأطفال والنساء والحيوانات الأليفة، ويوضح صديقي السويدي الأردني فيقول: يعتبر الطفل في السويد ابن الدولة، وكأنها عهدت برعايته لوالديه، فإن هم أساءوا رعايته بأي شكل من الأشكال ــ بما في ذلك ضرب الخماسي ــ تسترد الدولة عهدتها، لتمنحها لمن يصونها ويحفظها تحت اشرافها ورقابتها. السويد دولة لا يزيد عدد سكانها عن 10 مليون نسمة احتفلت مؤخرا بالذكرى المئوية لديمقراطيتها، تشتهر بتصدير الأخشاب مثلا، وبنفس الوقت بوفرة ثروتها الحرجية نتيجة سياسات الحماية البيئية. اضافة اعلان
بادرت صديقي بالقول -متأملا التنغيص على اعتزازه بمواطنته الجديدة-: لابد أنكم اختبرتم تمييزا عنصريا هناك خاصة وأن زوجتك محجبة؟! أجابني بثقة ردت لي تنغيصتي: لا اعرف ما في القلوب خاصة أننا معشر مهاجري الشرق الأوسط والمسلمين عموما لم نقصر فيهم، أذكر أن مدير شركتي – وهي شركة عالمية – قال لي "اسمع : لا مانع لدي لو بنى المسلمون في ستوكهولم جامعا على كل قارعة طريق، المهم عندي أن يركنوا سياراتهم حسب القانون أثناء الصلاة، وأن يدفعوا الضريبة المترتبة عليهم، ثم أردف صديقي قائلا: في السويد الردة فقط تكون على القانون، المرتد عن الانصياع للقانون يواجه ردعا قانونيا واجتماعيا واقتصاديا، أما معتقدات الناس ودينهم فهي آخر هموم الدولة والمواطن السويدي.
يا شيخ هذا غير واقعي، خاصة وأن اليمين المتطرف قد فاز موخرا بحوالي 18 % من مقاعد البرلمان، وخطابه كان نازيا عنصريا.
لا يا أستاذ، عندما كان اليمين يعلن خطابا عنصريا لم يحقق عتبة 5 % اللازمة لدخول البرلمان، وخرجت الصحف السويدية؛ بعنوان 95 % من السويد ليست عنصرية، وبالمقابل يا أستاذ اولادي يدرسون في الجامعة على حساب الدولة وتخصص لهم رواتب، واولادي في المدارس يدرسون على حساب الدولة أيضا ومواصلاتهم مجانية.
عندها ضقت ذرعا به وقلت: يا شيخ السويد بلد غني كيف لك ان تفكر بمقارنتنا به؟!
فأجابني: الاقتصاد السويدي يقوم على الشركات الصغيرة والمتوسطة والقاعدة عندهم أنه إن لم تنجح الشركات إقليميا ودوليا لن تنجح محليا، المسألة أنها بلد تخلق الفرص وتشجع المبادرة الفردية والمغامرات الاقتصادية محسوبة المخاطرة.
بادرته بسؤال لئيم: أنت تدفع الضرائب هناك وتتهرب هنا!! عندها رمقني بنظرة المشفق علي وقال لي: اسمع هالقصة: ذهبت إلى المستشفى بعد ان حجزت موعدا على الانترنت وكان مستشفى مركزا متخصصا للعلاج الطبيعي، كنت هناك قبل الموعد وفي انتظار موعدي بدأت تتوافد سيارات حكومية مجهزة لذوي الإعاقة كل منهم له كرسي متحرك مناسب لإعاقته وكل منهم يحصل على المستوى المطلوب لعلاجه باحترام وبكرامة ودون تمييز ولا واسطة جميعهم ينتمون امام الدولة لعشيرة واحدة هي عشيرة المواطنة، في تلك البلاد ترى بعينك أين تصرف ضريبتك فتدفعها عن طيب خاطر.
وفي قصة أخرى؛ منذ سنوات أخذت ابني في حالة طوارئ على المستشفى انتظرت ساعة تتلوها الساعة دون ان يطلبني الطبيب، وكلما أراجع الممرضة تخبرني لم يأت دورك، بعد مرور ست ساعات انتظار ذهبت للممرضة وبعصبية أردنية سألتها: معقول لو كان رئيس الوزراء هنا كان لينتظر 6 ساعات؟! ابتسمت الممرضة ابتسامة خفيفة واثقة وقالت: في الحقيقة كان هنا الأسبوع الماضي مع حفيده وانتظر مثلك وأردفت: دعني اشرح لك انه في الطوارئ ليس من يأتي أولا يعالج أولا، بل إن من يعالج أولا هو صاحب الحالة الأخطر، وحالة ابنك ليست خطيرة عندها جلست وانتظرت!
هنا كان قد أسقط في يدي فقلت له: يا شيخ هذه بلاد حل بها الفساد على العباد، وانتشر بها الانحلال، ابتسم وهو يعرف انني لا أعني ما أقول ورد بثقة يحسد عليها: لكن تلك البلاد لا تفرض عليك أخلاقها ولا انحلالها، وتترك لك ان تعيش كما تريد بالشكل الذي تريد، وبالعقيدة التي تريد، وبالشخصية التي تريد.
ودعت صديقي بعد غداء أردني ثقيل، وفي رأسي صوت الشاعر قاسم حداد وهو يردد:
"بلادك أيها المجنون ساحة حربك الأخرى، خطيئتك الجميلة، فانتخب أعداءك الفرسان.. قاتل وانتظر.. واهدأ..".
وسننتظر لهذا الوطن لأنه ساحتنا الجميلة العزيزة، وله ولمستقبله الحر الديمقراطي الزاهر سننتظر ونقاتل، فاهم علي جنابك!!