حين تكون الثقافة مشوّهة وانتهازية!

في الأردن، وقد ينفع أن نسحب الأمر على العالم العربي بأكمله، نادرا ما نرى ثقافة حضارية متجذرة، أو سلوكا مدنيا أصيلا، فكل شيء موسمي لدينا، أو آنيّ، أو «تسويقي» نظهره حين يكون مناسبا له الظهور، ونخفيه حين يتعارض مع مصالحنا.اضافة اعلان
لدينا تطرف أصيل نظهره تجاه كل من يخالفنا أو يختلف معنا، ومقابل جميع القضايا التي ننظر إليها من منطلق «سلفي» لا يعترف لا بالتقادم ولا بالتطور أو التغير. الثابت لدينا أن الأمور ثابتة، ولا يمكن لها أن تكون مختلفة عما كانت عليه في العام الماضي أو الذي سبقه، أو حتى في القرن الماضي.
متطرفون عن سابق إصرار وتصميم، ولكن حين يضربنا التطرف، نسارع إلى الإدانة، والادعاء أنه سلوك خارج عن منظومتنا القيمية، أو عن عرفنا، حتى ان كثيرا من المتطرفين بيننا يدينون التطرف بأقسى العبارات، ويصفونه بأبشع الأوصاف، ويحملون الدولة المسؤولية كونها لا تضع خططا واستراتيجيات لمحاربته، لكنهم يتناسون تطرفهم الذاتي الذي يقود جميع مسلكياتهم اليومية، بدءا من البيت، إلى الشارع والعمل وغيرها من البيئات.
ونحن أيضا متخلفون ولا نتمتع بأي خصلة مدنية، وما نزال نعتقد أن الخضوع للقانون منقصة، وكسره «فهلوة» و»شطارة» ورجولة، أو أن القانون «وضع ليكسر» كما يشاع عند الجهلة الذين تربوا على اقتباس أقوال الآخرين من دون أن يفهموا معانيها، لذلك نراهم يعيدون الأقوال كالببغاوات، ولا يتوقفون ولو لمرة واحدة ليسألوا أنفسهم: لماذا نحن حمقى وأغبياء إلى هذه الدرجة؟!
نحن نعادي القانون وكل ما يمت إليه بصلة، بادعاء وعي زائف يفسر مثل هذا الأمر على أنه جسارة وبطولة، ولكن حين يتسرب فيديو ما عن ممارسة غير حضارية لأحدهم، نتنافخ شرفا دفاعا عن القانون والمدنية والتحضر، غير ملتفتين إلى الخراب الذي ننشره في جميع البيئات التي نحلّ بها، والذي لا يقل بشاعة عما يفعله الآخرون.
نحن لسنا مدنيين ولا متسامحين ولا وطنيين؛ سلوكنا الهمجي اليومي ينبئ عن بدائية نحاول إخفاءها بالشهادات العلمية والكلام المنمق، و»تطعيم» لغتنا بعبارات إنجليزية رنانة، لكي تضفي على شخصياتنا قشورا مدنية زائفة لن تخدع أحدا. أما عدم تسامحنا، فتفضحه حواراتنا العقيمة التي ندخلها، غير معترفين بحق الآخرين في أن يمتلكوا تصورهم الخاص عن أي قضية، أو رأيهم في أي حدث. لكننا لا نقبل بهذا الأمر البسيط، ونحاول دائما أن نمتلك الحقيقة كاملة، حتى لو كان موضوع الجدل خارج عن قدراتنا الثقافية والفكرية والعقلية!
كما أننا لسنا وطنيين. في جميع ما نقوله من إدانات شفوية، فحسب، للفساد بأشكاله المختلفة، والواسطة والمحسوبية واللاعدالة الاجتماعية، نحن نرددها للاستهلاك اليومي، من دون أن نتمثلها سلوكا حقيقيا في شخصياتنا، فنحن على استعداد كامل لأن نمارس الفساد والواسطة والمحسوبية والظلم الاجتماعي ما دام السلوك مفيدا لنا، وما دمنا قادرين على ذلك، ونلجأ إلى إدانته حين لا يكون مفيدا لنا. نكسر القانون ولا نعترف بقيمته في وجداننا وسلوكنا، ومعظمنا يمتلك في داخله «دعدوشا» صغيرا يربيه على الكراهية للآخر، مهما كان ذلك الآخر.
هذه هي سمات المجتمعات المنخورة بغياب الفضيلة. مجتمعات أصرت دائما على «تنمية» تشوهاتها الكثيرة الممتدة عبر عقود طويلة، من دون أن تتجرأ ولو لمرة واحدة على إجراء مراجعات جذرية تعيد نفسها إلى طريق الاتزان والاستقامة!