ذاكرة السمكة

درج القول لمن ينسى ما فعله فور وقوعه بأن لديه (ذاكرة سمكة)، والسبب في الصاق السمكة بخاصية ضعف الذاكرة بانها تأكل الطعم من سنارة الصياد، وقد تفلت من الفخ إذا قدر لها المقاومة، ولكنها على الفور تعود ثانية لتناول ذات الطعم من السنارة نفسها، لذلك يضرب الناس المثل بذاكرة السمكة باعتبارها تمتلك ذاكرة قصيرة، ويعكسون ذلك على كل الأشخاص الذين لا يتأثرون من تجاربهم السابقة ولا يتعظون بماضيهم، فيقال إن لديه ذاكرة سمكة فلا يتذكر ما حصل معه.

اضافة اعلان


كان ذلك توطئة لا بد منها لشرح المغزى والمعنى من المثل، وهو بمثابة اما قبل، والآن اما بعد، دعونا نعترف أن سوادنا، والسواد هنا ليس محصورا بالمواطنين فحسب، وانما يندرج تحته المواطن والمسؤول (حكومة، نواب، أعيان)، فلو أعدنا الذاكرة للخلف (لو استطعنا) قليلا سنجد أن سوادنا يعاني كما تعاني منه السمكة من ضعف ذاكرة مزمن، وربما يمتلك البعض ذاكرة أضعف من ذاكرة السمكة المسكينة التي الصقنا بها ضعف الذاكرة والأبحاث العلمية اثبتت غير ذلك.


لست هنا اتحدث عن فراغ، دعونا نستذكر، ألم نقل جميعا أننا نريد أن نوسع قاعدة الحريات العامة، فهل فعلنا ؟ّ! الم نقل جميعا أننا نريد تعزيز الشفافية ودولة المؤسسات والقانون، فهل أنجزنا؟!، ألم نقل جميعا أن الفساد الكبير والصغير بات يؤثر على عصب الدولة ومؤسساته، فهل تقدمنا في محاربته؟!، ألم نقل جميعا أن مؤسساتنا تعاني من ترهل إداري بات يؤثر على مستوى الخدمات المقدمة جراء توسع فكر الواسطة والمحسوبية، فهل توقفنا عن التوسط لما لا يستحق؟!، الم نشاهد جميعا حجم المخدرات التي باتت تعصف بشبابنا وتؤثر على عقولهم، فهل اوقفنا تلك السموم وقدمنا تجار مخدرات وازنين للعدالة؟.


الشواهد كثيرة، ولا أراني أميل لزيادة علامات السؤال والاستفهام حول الكثير من القضايا التي تعهدنا بمتابعتها، ولكننا حتى الآن ندور في الدائرة عينها دون تقدم للأمام، ولا نجيد أكثر من التنظير على بعضنا البعض، فالكلام لا أسهل منه وابجديتنا العربية فيها من كلمات الوعد والتحفيز والانشاء الكثير، ولكن الم يزف الوقت للانتقال من الانشاء للعمل، ومن الوعد للمباشرة، ومن الخطابة للتطبيق؟!،

 

فكم قطعنا حتى اليوم من وعودنا التي قطعناها للناس منذ أمد طويل؟!، ام اننا نستثمر ذاكرة السمكة باعتبار أن الناس سريعة النسيان ومن السهل عليها الانتقال من قصة لأخرى دون استذكار ما حصل في القصة السابقة أو مراجعة الراوي لاستكمالها؟!.


نعم أيها السادة، نريد لأي قصة تم سردها على مسامعنا سابقا أن تكتمل، لا نريد لها مطبات وعوائق ومنحدرات وتخوفات، نريد للإصلاح الذي أسس له جلالة الملك ان يأخذ طريقه دون شد عكسي، ودون تصريحات تتخوف، ودون أشخاص يريدون فقط البحث عن مصالحهم الضيقة، ولا يهمهم تطور الأردن الحديث للأمام، نريد للحريات أن تتوسع، وان نحترم الرأي والرأي الآخر تحت سقف الدستور الذي كفل الحرية للناس، ورفض أن تقيده الحكومات أو مجالس التشريع.


لسنا بحاجة لإعادة صنع العجلة بقدر حاجتنا لوضع الحصان أمام العربة وسن قوانين تتماشى مع الإصلاح وتؤسس له وتمهد الطريق للأردن الحديث الذي نؤمن من خلاله عبور مئوية الدولة الثانية ونحن على ثقة تامة ان الرؤية مكتملة والعزيمة متوفرة، ولذلك فإن على كل الأطراف التي عليها تفعيل الدستور والقانون عليها تنفيذ المواد دون مواربة وإدخال تعديلات تتوافق مع رؤية الإصلاح بعيدا عن أي رؤية مزاجية أو وقتية، تعديلات جوهرية نضمن من خلالها بيئة إصلاح مثالية.

 

أخيرا.. أيها السادة لا تراهنوا على ذاكرة السمكة لدينا فما زلنا نتذكر كلامكم وتصريحاتكم ووعودكم وخطاباتكم ورؤيتكم وإنجازاتكم ونجاحكم وفشلكم.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا