غارمات من نوع آخر

يبدو أن الأنظمة العديدة الصادرة مؤخراً من وزارتي العمل والتربية والتعليم وما يسير بموازاتها من حملات ومبادرات كثيرة تهدف إلى وقف الانتهاكات العمالية بحق معلمي المدارس الخاصة، ما تزال برمتها غير كافية لردع إدارات بعض المدارس عن ارتكاب مخالفات صارخة بحق المعلمين العاملين لديها.اضافة اعلان
قبل أيام، وردتني رسائل من مجموعة من المعلمات العاملات في إحدى المدارس الخاصة في عمان، يشتكين من تأخر إدارة المدرسة في دفع رواتبهن المستحقة لأشهر متتالية، بالإضافة لاستلامهن الرواتب نقداً بخلاف الأنظمة الملزمة لإدارات المدارس بتحويل رواتب المعلمين إلى حساباتهم البنكية، ويؤكدن أن معاناتهن هذه مستمرة منذ ما يزيد على عامين.
عدد من هؤلاء المعلمات، تحصّلن منذ سنوات على قروض بنكية لأغراض متعددة بموجب كتب تعهد من المدرسة بتحويل رواتبهن للبنوك، ويتعرضن حالياً للملاحقة من أقسام التحصيل في هذه البنوك، وقد وجهت إليهن إنذارات عديدة باتخاذ الإجراءات القانونية بحقهن، بسبب تراكم الأقساط البنكية غير المدفوعة نتيجة تأخر المدرسة بدفع رواتبهن المستحقة.
إحدى المعلمات سيدة مطلقة ولديها ثلاثة أبناء، ملتزمة بعدد من القروض بالاعتماد على راتبها لإعالة أبنائها وتلبية احتياجاتهم المختلفة، وهي حالياً مهددة بإصدار تعميم قضائي بحقها لعدم قدرتها على السداد.
لم تقف المعلمات متفرجات إزاء ما يحدث، وقدمن عدة شكاوى للجهات المعنية، وأهمها وزارة العمل، وبالفعل قام مفتشو العمل بتحرير مخالفات للمدرسة مرات عديدة، لكن، ونظراً لكون المخالفة هي عبارة فقط عن غرامة مالية ذات مبلغ لا يتجاوز مئات الدنانير، فإن المدرسة تقوم بدفعها بدلاً من دفع رواتب المعلمين المتراكمة بآلاف الدنانير، وينتهي الأمر دون اتخاذ إجراءات أكثر تصعيداً بحق المدرسة ذات المخالفات المتكررة.
أعادت المعلمات مراراً محاولات تقديم شكاوى عبر منصة "بخدمتكم" الإلكترونية، لوزارتي العمل والتربية والتعليم، كان آخرها قبل أيام، وجاء الرد الإلكتروني من المنصة بأن الطلب قيد النظر وسيتم الرد عليه خلال ثلاثة أشهر من تاريخه، بينما جاء الرد على شكوى أخرى سابقة بأنه ونظراً لقيام مفتشي العمل بمخالفة المدرسة عدة مرات بلا جدوى، فعلى المعلمات المتضررات رفع دعوى قضائية لدى محكمة سلطة الأجور.
لكن اضطرار المعلمات للتوجه إلى القضاء بعد استنفاد السبل الأخرى وطرق كافة الأبواب الممكنة، سوف يكبدهن مزيداً من التكاليف المتمثلة بالرسوم وأتعاب المحاماة ناهيك عن طول أمد التقاضي، في حين كان من المفترض أن تحول مخالفات كهذه دون تجديد ترخيص المدرسة السنوي بموجب الأنظمة والتشريعات الناظمة لهذا الأمر، وأبرزها قانون العمل، والنظام المعدل لنظام تأسيس وترخيص المدارس الذي أقرته وزارة التربية والتعليم عام 2017، وعقد العمل الموحد للعاملين في المدارس الخاصة المعتمد من وزارة العمل والمعمم على المدارس في ذات العام.
واقع معلمات هذه المدرسة المؤسف هو بالتأكيد نموذج يتكرر في العديد من المدارس الخاصة البالغ عددها 3200 مدرسة تقريباً، ويعمل بها ما يقارب 40 ألف معلم منهم حوالي 36 ألف معلمة، وفقاً للتقرير الإحصائي لوزارة التربية والتعليم لعام 2017/2018.
هذه الأعداد الضخمة تستلزم إعادة النظر في القوانين والإجراءات الناظمة لعلاقة المعلمين بمالكي المدارس الخاصة الذين مايزال الكثير منهم يستقوون على المعلم وينتهكون حقوقه بحماية غير مباشرة من السلطات المعنية، إما بسبب غياب التفتيش اللازم، أو نتيجة ضعف الإجراءات المتخذة وعدم نجاعتها في ردع المخالفين.
على الجهات المعنية أن تأخذ الأمر بمزيد من الجدية والصرامة، وإلا فإننا سنكون في وقت قريب أمام شريحة واسعة من الغارمين والغارمات الجدد.