فائض التنظير السياسي في رمضان

على خلاف شهر رمضان في العام الماضي الذي شهد حراكاً احتجاجياً أطاح بحكومة الدكتور هاني الملقي يغيب حراك الدوار الرابع لغياب الأسباب المباشرة التي تحاول حكومة الرزاز تجنبها. ولكن يحضر حراك مختلف هذه المرة تميزه التصريحات اليومية لمجموعة من الشخصيات السياسية سواء المتقاعدة أو العاملة من خلال المشاركة في معظم السهرات الرمضانية التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني الممولة من المساعدات التي تقدم للأردن تحت مسميات التمكين السياسي وتمكين الشباب والمرأة والديمقراطية، ولكن يبدو أن توظيفها يكون في اتجاه آخر، أو المقابلات التلفزيونية التي يقدم فيها معظم الذين تربعوا على دفة قيادة العمل الحكومي لما يقارب الخمسة عقود جردة حساب لإنجازاتهم التي يغيب عنها الاعتراف ولو بخطأ اداري بسيط أثناء مسيرتهم.اضافة اعلان
ليس محظوراً الحديث في السياسة فهي لا تحتاج لمؤهلات وهو ما يميز الشعب الأردني على اختلاف مستوياته الثقافية والسياسية خاصة في زمن التواصل الاجتماعي الذي أسقط كل الضوابط والحدود. اللافت هنا أن التصريحات السياسية هذا العام فيها إسهاب في توصيف مجمل المشاكل والتحديات التي يعيشها الأردن دون تقديم حلول منتجة، ودون الاعتراف بتحمل المسؤولية عن مآلات المشهد الأردني. فمن يستمع لأحاديث بعضهم وهم يشخصون الحالة الأردنية ويقدمون توصيفا لأزمتنا وخاصة في إدارة الدولة يسأل نفسه سؤالاً بسيطاً هل الذين أداروا الدولة على الأقل خلال الخمسة عقود الأخيرة مخلوقات من كوكب آخر؟! ولا أعرف إذا كان هؤلاء يتابعون ردود فعل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي التي تثبت أن حجم انعدام الثقة فيهم وفي المنظومة السياسية تجاوز حدود رفض ما يقولون للسخرية اللاذعة والحادة والشعور بالخيبة.
في العالم ينصرف السياسي المتقاعد أو من غادر موقعه إلى كتابة تجربته السياسية والانجازات التي حققها، فمنهم من يؤسس مركزاً للدراسات الاستراتيجية، أو يلتحق بمعاهد وجامعات عريقة للعمل كمحاضر، أو الكتابة في صحف ومجلات سياسية متخصصة، تاركاً للناس والتاريخ تقييم تجربته بموضوعية بعيدا عن سلطة الموقع السياسي التي قد تفرض على الأخرين ممالأته والنفاق له، لكن الحالة في بلادنا مختلفة كلياً فلا أحد يؤمن بالتقاعد لأن التجارب تثبت أن فكرة إعادة إنتاج الشخصيات حتى لو طواها النسيان والزمن ولم تعد مناسبة للمرحلة تبقى واردة وهذ مفارقة مدهشة في عقل الدولة التي تباهي بأنها تريد تمكين الشباب ليتقدموا لإدارة بلادهم على ما نسمع كل يوم وممارستها الفعلية!!
تصر هذه الطبقة من المسؤولين على اختصار الأردن بعمان ومجتمعها والحديث لنخبها وهذا ينسحب على الحكومة نفسها التي لا تحبذ الحديث للناس في المحافظات، وتتسابق للتواصل مع فعاليات منظمات التمويل الأجنبي والاستجابة لدعواتها، وتتعامل معها وكأنها صاحبة رأي وتمثيل سياسي يجب أن يؤخذ به على حساب من يملكون صيغة تمثيلية حقيقة وما جرى خلال الأيام الأخيرة من تجاوز على نقابة الصحفيين في قضية توقيف مالك قناة فضائية ومقدمة برنامج تلفزيوني من ناحية التواصل مع مركز تمويل أجنبي دليل على طريقة تفكير الحكومة وهو ما ينسحب للأسف على معظم من يسمى نخب سياسية التي لا تريد أن تعترف بفشلها وبمسؤوليتها وهناك من يصر من المجتمع نفسه على توفير منابر ومنصات لهم للتعبير والتنظير الفائض عن الحاجة والذي لم يعد مقبولاً لبلد قد يواجه تحديات كبيرة في قادم الأيام، فمشكلتنا ليست فقط في الاستهداف الخارجي بل في استمرار حالة الإنكار واستغفال الناس.
باختصار المشهد كاريكاتوري ساخر وبدلاً من فائض التنظير المطلوب شجاعة الاعتراف بتحمل مسؤولية الأخطاء.