فتياتنا المتفوقات.. أين يذهبن؟

محير ما يحدث في الأردن، يجد الاهل لتعليم الأبناء وإعلاء قيمة العلم، فتتم التضحية بالغالي والنفيس لكي يدخل ابناؤنا الجامعات، رغم الحديث الذي لا ينتهي عن ركود التخصصات، وفرص العمل التي تتولد على جانب المهارات المتدنية التي لا تحتاج الى تعليم جامعي. يضرب بعرض الحائط كل هذا المنطق والتحليل والبيانات ويتم انفاق مبالغ كبيرة تشكل على نحو ما انتقالا للمدخرات من حسابات الى أخرى، والنتيجة للأسف شهادات جامعية من مختلف التخصصات لا تقود الى سوق العمل، ونخجل في الأردن من حقيقة ان نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من ادنى النسب في العالم. المفارقة الثانية ان من يراقب نتائج خريجي الثانوية العامة في المملكة على مدى العشر سنوات الماضية سيجد ان فتياتنا هن من يتصدر تلك النتائج وبصورة جلية، فهن يحققن اعلى الدرجات العملية، وهن أوائل التوجيهي، وهن من نستمر نحن الآباء بمديح الالتزام العالي والصرامة العلمية التي يتمتعن بها... بعد ذلك ماذا يحدث؟ تذهب تلك الفئة المتفوقة الى الجامعات وعلى الاغلب يتصدرن نتائج الجامعات، ونحتفي بذلك الإنجاز المستحق. لكن هل يستفيد الأردن من تلك المواهب التي يجب ان تكون في اعلى المراتب القيادية، وهل يستفيد الاقتصاد من الطاقات الهائلة التي تتمتع بها تلك الفتيات التي في كثير من الأحيان حققن إنجازات كبيرة بفضل جهود ذاتية وليس بسبب الظروف الاجتماعية المواتية، للأسف فإن مؤشر مشاركة المرأة في سوق العمل، ومؤشر أدوار المرأة القيادية تعتبر محدودة جدا، وهو دليل على تسرب وهدر لما نعتبره اغلى الموارد التي يمتلكها الأردن. واذا كان الامر كذلك، ألا يدلل ذلك على خلل جوهري، ان النجاحات الاقتصادية والاجتماعية في الكثير من الدول تقوم على توظيف الموارد بالشكل الأمثل، وهذه الموارد تشمل الموارد الطبيعية والبشرية، وفي بلد مثل الأردن تشح فيه الموارد الطبيعية، رغم الأرقام غير الواقعية التي نقرأ عنها في بعض الأحيان، يبقى اذا موردنا البشري المهم، ومع بناتنا نحن نقوم بثلاثة أرباح الرحلة، نربي ونعلم ونخرج، وفي مرحلة التشغيل والتوظيف لهذه الموارد يحدث الفشل الذريع، ويجب التنويه ان هناك فئة من الشباب الذكور المبدع التي لا تجد أيضا طريقها الى سوق العمل والتوظيف بسبب المعوقات الموجودة. في كثير من الدول فإن الخروج من الحلقة الفارغة التي يدور فيها الاقتصاد لا تتم من خلال النوايا الحسنة، بل من خلال زيادة الانتاجية التي لا تتم إلا من خلال توظيف افضل للتكنولوجيا والعقول، وهذا المزيج بالإضافة الى الدور المؤسساتي هو سر النجاح في الدول التي توصف بالناجحة، في الكثير من الدول التي لا تحوز على الايدي العاملة الماهرة والمبدعة، يتم السماح باستيرادها من الخارج، في حالتنا الأردنية النادرة، ما نحتاجه هو إعطاء الفرصة لتلك الفئة التي تقدم لنا ما يدلل على تفوقها، ولكن لأسباب عديدة فإننا نختار ألا نوظفها بالشكل السليم. القصة ليست احتفالية بالنجاح في الثانوية، ولا زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل، بل يجب متابعة فئة متفوقة من المجتمع، نفعل كل شيء لصقل موهبتها، وفي مرحلة الاستفادة والتوظيف تتلاشى لنحتفل بفوج جديد من الخريجين ويبقى غير المتفوق يدبر شؤون المبدع.اضافة اعلان