كلمة بمثابة النار وأخرى بمثابة النور وأثر كلتيهما ظاهر

ما بين الجدل الواسع على التعديلات التي طرأت على قانون المطبوعات، وما بين الدهشة التي ما زالت مسيطرة علينا فيما سنؤول اليه مع الذكاء الاصطناعي وهو في مراحله المبكرة، ونحن لم نفهم تبعات (التشات جي بي تي) على حياتنا بعد.

اضافة اعلان

 

وما بين تأثير هذه التكنولوجيا الأشد خطورة على أخلاقيات الشعوب وأخلاقيات المهن، إلا أن هناك شيئا واحدا مؤكدا، وهو أننا لا يمكننا تنظيم هذا الفضاء الإلكتروني. فتعديلات قانون المطبوعات والنشر وتشديد العقوبات وتغليظها لا تبرر الغاية من استخدام هذه الوسائل التواصلية والتكنولوجيا الذكية. فقبل 10 سنوات، لم يكن هناك ذكاء اصطناعي، وعندما كانت النخبة تتحدث عنه، كان بالنسبة “للعامة” إن جاز التعبير ضربا من الخيال.


ثورة الذكاء الاصطناعي التي لم تتجاوز عقدا من الزمن وما زالت تخطو خطواتها الأولى ولكنها تتقدم بوتيرة مرعبة من السرعة التي لا يمكن كبحها، لدرجة أن لا أحد يستطيع التكهن بآفاق هذا الذكاء واستخداماته اللامحدودة. ومن المحال أن نوقف عجلة التطور حتى وان البعض بدأ يدرك هذه المخاطر، إلا أن المطورين لا يرغبون في التوقف. وكذلك الحال عند رجال الأعمال المحبين للمغامرة في هذا المجال فهم يرغبون في الحصول على عائد كبير وسريع لدرجة أدهشت القائمين على الذكاء الاصطناعي. وهذا قد يستدعي بنا التفكير للطريقة الناجعة لتنظيم العملية وللاستخدام الآمن.


وبالرغم من أن القائمين على وسائل التواصل الاجتماعي يستخدمون خوارزميات بطريقة معينة، ولديهم فريق من الموظفين يعملون على السلامة والأمان. ولكن هذا آمن لدولة دون أخرى؟ ببساطة لا، فنحن لا نملك هيئات تنظيمية حاسمة تستطيع كبح هذا النوع من المنافسة المحمومة التي تحدث في الفضاء الالكتروني. هذا إن علمنا بأن شركة ميتا المالكة للفيسبوك قد أعلنت عن إغلاقها أكثر من 3 مليارات حساب وهمي خلال 6 أشهر الفائتة، والشركة تقر بأن هذه الحملات والحسابات ما تزال تمثل تحدياً مستمراً.


هذا القلق من الحكومات والمؤسسات الكبرى بل والافراد، والتي تطالب باستمرار أن يكون هناك نوع من التنظيم وهو نابع في الدرجة الأولى من القلق الأخلاقي، هو قلق مشروع . وفي مرة سابقة فقط قد حدث شيء مشابه كان مع ظهور الثورة الصناعية، والتي قادها عدد قليل من الدول ثم توالت بعد تحفظ شديد حينها الدول واحدة تلو الأخرى للاستفادة منها عالميا. وهذا ما سيحدث مع الذكاء الاصطناعي ولكن بسرعة وبطرق جديدة. عندما نتحدث عن التنظيم، إنها مسألة لا تخص الحكومات المحلية، بل هي مسألة عالمية في كيفية اللحاق بركب سباق الذكاء الاصطناعي.


وعودة للتعديلات التي أقرت على قانون المطبوعات والنشر، فهناك جانب يرى أنها خطوة مهمة لردع الفتنة والتشهير، ويرى آخرون أنها تستهدف حرية التعبير والإعلام. ولكن يبقى السؤال، هل تعديل القوانين وتغليظ العقوبات ينهي أو يحد من هذه الجرائم أو يحسن الحالة المهنية أو يقوم الأخلاقيات؟


بالمحصلة، الحظر بالعادة لا يحسن الوضع، فخطاب الكراهية مشكلة دولية توجع العالم، ولقد حضرت العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية لمعرفة الاستراتيجيات الفعالة للتعامل معها، يضمن التصدي لخطاب الكراهية دون المس بحرية التعبير. وما زلنا لم نتفق على التعريف غير المنضبط لخطاب الكراهية. ونحن نقف مكتوفي الأيدي، نشاهد أيضا استمرار انحدار الحوارات العامة إلى أدنى دركات الضغينة والعداء، بحيث أضحت سمة سائدة لمثل هذه الحوارات المعاصرة.

 

لذا، فإن الآلية الأفضل في تنظيم هذه المساحات، إذا كان الهدف هو حماية المجتمع، هو التنظيم الذاتي من قبل المستخدمين، وأن يعرفوا بأنفسهم أهمية التقاضي ويعرفوا الأدوات القانونية التي يملكونها لمحاسبة المسيء. وهذا سيضمن رفضا مجتمعيا للمحتويات المسيئة والتشهير والكراهية والعنصرية والتمييز المستشرية في المجتمع والفضاء الالكتروني. 


ففي عالم التواصل الاجتماعي المتحرر من القيود والضوابط، فإن الأخطاء تتعاظم بسرعة وتؤجج مشاعر وآراء متنوعة: فنرى ذلك ربما كسخط ناجم عن الحمية الأخلاقية، أو رغبة في ترويج وجهة نظر شخصية. وهناك الكثير مما يعتبر غير مؤذ سيعمل، إذا ما تفحصناه بدقة، على تعميق الفجوة بين الانقسامات الاجتماعية، وتأجيج الخلاف بين المجموعات المتخاصمة، واستمرارية النزاع،

وسيقضي على احتمالات التوافق والبحث عن ُحلول. لهذا علينا فقط أن نكون واعين ويقظين ومتحلين بنفاذ البصيرة والانضباط الأخلاقي. لأن هذه المنصات جعلتنا نستكشف المفاهيم الأساسية التي كانت غائبة إلى حد كبير عنا والتي تحمل في طياتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي جماعي. وهذا يستدعي أن تكون مساهماتنا بطريقة تعترف بقدرة الجميع في المساهمة في تقدم المجتمع من خلال تفاعلاتهم بطريقة إيجابية وتعترف بمجتمع مليء بأنصار التغيير البناء أمام قوى الهدم المليئة من حولنا. “فالكلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ النَارِ وَأُخْرَى بِمَثَابَةِ النُورِ وَأَثَرُ كِلْتَيْهِمَا ظَاهِرٌ”.

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا