لا نستطيع معاداة إسرائيل

يقول الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، إن الأردن صديقٌ مخلص لإسرائيل، وتأتي تصريحاته هذه بعد يوم فقط من افتتاح مطار إسرائيلي جديد قرب العقبة، وهو مطار لم تأبه إسرائيل لكل الاعتراضات الأردنية حوله، لا سابقا، ولا لاحقا، ولا ما بينهما، فلماذا تأبه أساسا ولا أحد يوقفها عند حدها؟!.اضافة اعلان
في المقابل واقترابا من مفهوم الصديق المخلص وفقاً لتعبير ريفلين، لدينا في الأردن جماعة سياسية، تقول إننا لا نستطيع أن نعادي إسرائيل، مهما فعلت ضدنا، وإن علينا تفادي شرها لسببين: أولهما نفوذ الإسرائيليين في الإدارة الأميركية والكونغرس، وفي عواصم شرق أوسطية، وثانيهما أن الإسرائيليين لديهم القدرة على التسبب بأضرار هنا على مستويات مختلفة، وبهذا المعنى يرونها صديقا لا بد من الإخلاص له، تجنبا لشروره.
هذه الجماعة السياسية، لا نسمع لها صوتا اليوم ونحن نرى الذي تفعله إسرائيل، سواء عبر اقتحامات المسجد الأقصى شبه اليومية، أو حتى بناء مطار قرب مطار العقبة، بما يعنيه ذلك من أخطار، بل لربما يصرّون على نظريتهم أكثر باعتبارها طوق النجاة، وأن العلاقة الحسنة مع إسرائيل تحرجها وتمنعها من التهور أكثر.
لم نسمع صوت هذه الجماعة، أيضا، حين قتلَ موظفٌ في سفارة إسرائيل في عمان أردنِيَيَن، وتجاوزت البعثة الدبلوماسية في تصرفاتها على مستويات مختلفة، أقلها الاختباء وراء الحصانة لمغادرة الأردن، واستقبال نتنياهو للقاتل وتكريمه، وتحدي الأردن جهارا نهارا، وما شهدناه في مقتل القاضي زعيتر وغير ذلك من قصص.
هناك غموض في العلاقة الأردنية الإسرائيلية، وهو غموض لا يفهمه كثيرون، وبعضنا يعتقد أن العلاقة استراتيجية، ولا يمكن أن تحدث مواجهة مفتوحة بين الطرفين بسبب اتفاقية السلام، وما سبقها من علاقات، إضافة إلى موضوع الجغرافيا، والحدود، وما يعنيه ذلك، فعليا، بل إن هذا الفريق يعتقد أن مصالح الجهتين واحدة، إقليميا ودوليا، وبرغم هذا الكلام الاتهامي، إلا أن هناك أدلة تثبت عكسه، أحيانا على الأقل.
واقع الحال يقول إن تصرفات إسرائيل لا تراعي الأردن، في حسابات كثيرة، أقلها التحريض السري ضد الأردن لتجفيف الدعم المالي عنه، أو التحريض ضد إنشاء مفاعل نووي في الأردن، وهو تحريض مثبت ومؤكد وكان يسبق كل اتصالات أردنية مع الروس وغيرهم، برغم عدم تصديق بعض الأردنيين لهذه الرواية للأسف الشديد، على الرغم من صحتها، إضافة إلى ما تفعله إسرائيل يوميا من خروقات بشأن ملفات تخصّ الأردن، وتحديدا ملف الأقصى بكل خطورته، وما رأيناه قبل يومين من افتتاح للمطار قرب العقبة.
هذا الغموض، تزيد كل الأطراف من منسوبه، وعلى سبيل المثال أعلن الأردن تجميده لاتفاقية الباقورة والغمر، ووفقا للاتفاقية لا بد أن يتفاوض الطرفان الأردني والإسرائيلي، ومنذ تلك اللحظة تسربت معلومات محدودة، إلا أن تحديث المعلومات في عمان يبدو منخفضا جدا، ولا نعرف حتى الآن إلى أين وصلت الاتصالات الأردنية الإسرائيلية، وهل هناك جلسات مفاوضات، وإلى أين تتجه الأمور، وهذا التكتم على المعلومات، يثير الخيال والإشاعات معا؟
ما يراد قوله هنا إن كل المؤشرات تناقض بعضها البعض، إذ إن هناك حزمة من أشكال التصعيد بين الجهتين، وحزمة من التفاهمات بين الطرفين، في قضايا أخرى، وبحيث بتنا نحتاج إلى سحرة ليخبرونا عن طبيعة العلاقة بين الأردن وإسرائيل، وما يتوقع أيضا، خلال الأعوام القليلة المقبلة!
الإسرائيليون يريدون من الأردن أن يبقى هشّا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حتى تتحول البنية السكانية إلى بنية منهكة مترنحة، ولا تهدد إسرائيل، فيما لا يريدون، أيضا، أن تسقط الدولة ذاتها لحسابات استراتيجية لها علاقة بحسابات الفوضى الإقليمية، وهم في الوقت ذاته، يريدون تمرير كل مصالحهم، ولا يريدون أن يعترض الأردن على أي تصرف إسرائيلي، ويعتقدون أن بيدهم أوراقا مهمة، يستطيعون عبرها الرد على أي خطوة أردنية.
الجماعة إياها التي تتبنى شعار "لا نستطيع معاداة إسرائيل" جماعة بلا حياء، ولا تخجل، وبدلا من حسبة جديدة للعلاقات مع إسرائيل، لا يجدون حلا إلا بمزيد من الدعوات لمداهنة الاحتلال، لتجنب شروره، وقد ثبت فعليا أن هؤلاء يضرون الأردن أكثر بكثير من إسرائيل التي تبدو عداوتها مشهرة وواضحة، فيما دوافع هذه الجماعة مغطاة بقليل من عسل الوطنية، وبكثير من السمّ والسموم.