استعملت وزيرة الإعلام في مؤتمرها الصحفي الأخير، مفردات لافتة للانتباه، إذ تقول إن الأردن تعرض إلى حصار اقتصادي غير معلن خلال السنين الفائتة، هذا على الرغم من الحاقها لهذه المفردات، بكلام يأخذ اتجاها آخر، تماما، حين تتحدث عن أزمات الربيع العربي، وما جرى من أزمات مالية عالمية، منذ 2008.
هناك فروقات في المعنى بين الحالتين، فالحديث عن حصار اقتصادي غير معلن يحمل اتهامات غير مباشرة بتجفيف المال عن الأردن بشكل متعمد، رغم أن الدول العربية قدمت منحا بالمليارات على مدى السنين العشر الفائتة، وان كان أغلبها تمويلا لمشاريع في الأردن.
بعيدا عن منطوق وزيرة الإعلام التي نكن لها كل احترام، شخصيا ومهنيا، فإن المدرسة السائدة حاليا تقوم على أساس أن نبحث دوما عن طرف لنتهمه بأزماتنا الاقتصادية، فهذا هو الحل الأقل صداعا وكلفة.
في أغلب الحالات نتهم العرب بتجفيف الدعم المالي، وأحيانا نتهم الاشقاء السوريين بكونهم سبب البلاء، جراء قدومهم إلى الأردن، أو توقف التجارة مع سورية، وقد نتهم الغرب بهذا التجفيف لارتباط ذلك بالقضية الفلسطينية، أو تلك التبريرات المرتبطة بتدفق الغاز المصري وأسعار الطاقة، وغير ذلك، وهذه العوامل لا تتطابق مع تعبيرات الوزيرة حول "حصار غير معلن" بقدر كونها ظروف الإقليم وتقلباته، التي انهكت شعوب تلك الدول قبل أن تؤذينا نحن.
لا أحد ينكر تأثير هذه العوامل، لكنها ليست كل القصة، فلا بد هنا من التحدث عن العوامل الداخلية التي أدت إلى ما نحن فيه، وأبرزها قضايا الفساد المختلفة، وعلى رأسها تلك المشهورة التي تقر بها الجهات الرسمية، حتى لا نتحدث عن غيبيات يختلف حولها كثيرون، إضافة إلى سوء إدارة القروض والمنح، وسوء إدارة الموارد المالية والاقتصادية، وغياب الرؤية والمشاريع والمبادرات، وما تعانيه الإدارة العامة في الأردن من مشاكل، وما يصطدم به القطاع الخاص من إشكالات أدت إلى حالة غير مسبوقة من الانجماد جراء كثرة الضرائب والرسوم.
معنى الكلام ان الاستمرار بتحميل مسؤولية الوضع الحالي للإقليم فقط، أمر يجب أن يتوقف، حتى وان كان صحيحا في بعض جوانبه، لان هناك جانبا يتعلق بالوضع الداخلي بمعزل كليا عن الوضع الإقليمي، وليس أدل على ذلك ان كل الحكومات لدينا غير قادرة حتى الآن، على اقناع أصحاب الحسابات المصرفية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة الذين يمتلكون عشرات المليارات في المصارف، من تحريك أموالهم في السوق بوسائل مختلفة.
للمفارقة كلما واصلوا تجميد أموالهم، كلما خسرت من قيمتها، وبهذا المعنى فإن فك الانجماد النفسي مهم جدا حتى يستفيد المواطن من مدخراته المجمدة حاليا في المصارف، اذ قد يكون حل عقدتنا داخليا، برغم بحثنا عن الحل خارجيا.
الجانب الآخر الأكثر حساسية الذي لا تقوله الدولة يرتبط بسؤالين، أولهما هل يريد العالم من الأردن التجاوب مع سيناريوهات مختلفة على صعيد القضية الفلسطينية، مقابل انهاء حالة تجفيف المال، وهذا السؤال يصر الرسميون كل يوم على تجنب الإجابة عليه، بل يقولون إن لا ضغوطات، ولا مطالب من واشنطن وغيرها، للدخول في صفقة القرن، وإذا كان الرسميون ينفون هذا الجانب، فلماذا يراد منا أن نتبنى رواية تجفيف الدعم المالي من باب الضغط، أو معاقبتنا على مواقفنا إزاء ملفات مختلفة؟!
السؤال الثاني، في هذا الجانب يرتبط اما بالمعلومات أو الانطباعات، حول طريقة انفاق المال الذي يأتينا، فلقد ساهمت موجات التشكيك الداخلية، بتشويه سمعة الأردن الإقليمية والعربية، وتقديمه بصورة الذي يبدد المال في قصص مختلفة، ولا نعرف إذا ما كانت الدول المانحة للمال نقدا، تستند إلى الانطباعات التي يولدها سياسيون وحزبيون ومعارضون وإعلاميون حول هذه القصة، ام إلى معلومات، ما يفسر تحول المال المدفوع، في أغلبه، من مال نقدي، إلى مال للمشاريع، أو عبر ودائع في البنك المركزي!
تعبنا من هواية تشخيص أسباب الأزمة الاقتصادية، فقد قيل فيها الكثير، والكل بمن فيهم كاتب هذه السطور يدلي بدلوه، لكن لا أحد يسعى لطرح حلول مبتكرة ومختلفة، ابرزها البحث عن وصفات في الداخل الأردني، بغير الضرائب والرسوم، مثلما أن السلبية التي وصلنا اليها باتت بحد ذاتها خطرا اقتصاديا لابد من معالجته، استنادا إلى الداخل وموارده، مثل كل الدول التي تريد النجاة، بدلا من البحث عن حلول خارجية، أو اطراف لتحميلها مسؤولية ما نحن فيه.