معالي الأخ ميشيل حمارنة.. وداعا

عبد الله توفيق كنعان دفعتني غزارة المشاعر وتزاحم العبرات المثقلة بالشجون والدموع الحارقة، إلى قلمي لأدون على هذه الأوراق القليل من العبارات المُحملة بالكثير من المعاني، لجأت اليها، علّها تزيل عن قلبي وصدري الكثير الكثير من ألم الفقد، حملتها غير مشفق عليها لحزني ما لا تستطيع حمله جبال لا جُمل، فكيف لها أن تحمل في مضامينها الذكريات والتاريخ والاخلاص والمحبة والمعزة الى أخي وصديقي ورفيقي ومن شاركته العمل بمعية سيدي صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال، بل شاركته بأخوة وصداقة كل التفاصيل، اليك يا أخي العزيز المرحوم بإذن الله معالي ميشيل حمارنة أكتب وأناجي وأدعو الله لك السلام والسكينة، فبأي العبارات والكلمات أرثيك، وبأي أبجديات العالم أعدد مناقبك، وبأي الأوصاف أصفك ابحث عنها واجد من الصعب العثور عليها. لم أكن اتوقع يوماً أن أقوم بزيارتك وأشاهدك تجلس على الكرسي مريضاً لا تقوى على القيام وانت المحب للعمل والنشاط تكره الركون والكسل، وها أنا اليوم ومعي كل من أحبك وعرفك أيها الفقيد العزيز، نودعك وأودع معك أياما وسنين ولحظات ما تزال تترآى أمامي ويمر شريطها المسرع ناثراً عليّ الحنين والحزن، ولكنني أعلم تماماً ويقيناً خالداً بأنها ارادة الله وحكمه، مؤمناً بأن القدر بيد الله، كنت اطمئن عليك باستمرار، كل يوم اهاتف اسرتك للسؤال عنك، أهاتف ابنك عمر وديما ورانية، وهم الأبناء البارون بوالديهما يتناوبون على خدمتكم ورعايتكم في الليل والنهار، كم يؤلمني وأنا أسمع صوتك الهزيل الضعيف، وأنت تتصل بي بعد اصرارك عليهم أن يطلبوني لتشعرني بسرورك باتصالي وسؤالي كل يوم عنك، يؤلمني أن تكون كلماتك وجُملك تهمسها بأذني همساً، وبحة صوتك الشجي العذب لم تعد كما كانت، أقسم أنني حينها اشعر بالحزن والألم دون أن اخبرك. عرفتك قبل أن تعرفني بحكم عملي بمعية سمو الأمير الحسن حفظه الله ولي العهد آنذاك، وهو الأمير الإنسان المحب الذي عرف وعرفنا من خلال سموه كل رجالات الوطن شيوخه وشبابه، وهو الأمير الذي كان وما يزال يعرف كل شبر من أرض الأردن العزيزة ساكنيه وحجارته وكل ركن فيه، كنّا ومعنا الكثير من الرفاق الزميلات والزملاء الأعزاء نعمل وما يزال بعضنا بمعية سموه لنخدم الوطن والعرش المفدى بكل حب واخلاص. لا أذكر أنه مرّ علينا رحمك الله، يوم من الأيام وقد اختلفنا، كانت الثقة علامة بارزة لعلاقتنا في العمل، أذكر أنك قلت لي يوماً مازحاً: « لو أنك يا أبا علاء وضعت بين يدي في الأوراق التي تضعها للتوقيع كتاب استقالتي لوقعته»، تقولها وانت أيها العزيز المدقق في كل شيء، على دراية بأننا لا نضمر أبداً في قلوبنا وعملنا أي ضرر أو غش، معاذ الله يا صديقي الذي أفتقده أن تعرف قلوبنا غير المحبة، وهي الحدائق الغناء المزهرة بالصدق والعطاء، ولطالما كنت تطلب مني رغم معرفتك بمدى جديتي، التدقيق في كل شيء نظراً لحجم العمل الكثير الذي يحتاج التعاون ويتطلب المساعدة من الجميع بغية إنجازه، أخوان كنا وما نزال وسنبقى نورث ذلك للأبناء، وإن لم نجتمع برابطة الدم ولكن اخوتنا جاءت من رفقتنا ومشاركتنا الهموم والفرح، جمعنا حب أمير وحب عرش ووطن، وذاك يا صديقي حصن منيع ورابط وثيق كفيل بتجاوز الصعاب. أذكر يوماً حدثتني على سبيل الطرفة أنك عند زواجك من الفاضلة أم عمر رحمها الله اضطررت بسبب ضرورة الاجراءات أن تسجل عقد زواجك اربع مرات في أميركا والأردن. عرفتك والجميع يشهد لك رحمك الله نزيهاً ومتواضعاً بعيداً عن العنصرية والانحياز مخلصاً تمد يد العون والخير للجميع، بشوش الوجه على محياك ابتسامة لطيفة لم تفارقك أبداً حتى في أصعب الظروف تلقيها حباً في وجه كل من حولك داخل العمل وخارجه مما يريح قلب وصدر كل من يلقاك، رفيقك الصدق والنزاهة ونظافة اليد والقلب، حظيت بثقة جديرة من سموه، لقد عرفتك متواضعاً متزناً لست ببعيد المسافة عن الآخرين، ما أزال أذكر رفضك لشرب الماء في رمضان ونحن من حولك صائمون، حريصاً على حفظ مشاعر الزملاء والزميلات، رحم الله الأخت الفاضلة شريكة حياتك ورفيقة دربك أم عمر التي كانت تطمئنني عليك باستمرار، لكنه القدر الذي فجع قلوبنا بفراقها وغيابها الذي أوجعك وأشغل روحك معها لترحل اليها رحمكما الله، لتبقى روحك بين اسرتك وبيننا نحن من نحبك ونعرف قلبك الطيب ووجهك البشوش يضيء بريقه لنا الذكريات. ماذا أكتب وماذا أقول في رثائك يا أبا عمر وأنا أشعر بالحزن عليك وما يزال هاتفي يتلقى التعازي من لحظة رحيلك فأنت الأخ والصديق الذي أفتقده أبداً ما حييت. رحمك الله يا أخي وصديقي ورفيق العمر، فهي الحياة استقبال ووداع وفراق، والفراق صعب لكنها قضاء الله ولا راد لقضائه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم نسال الله العلي القدير ان يجعل مثواك الجنة والرضوان وأن ينعم على روحك السكينة والسلام، فأنا وعائلتي وكل الاحبة نشارك العزيز الغالي عمر والغاليات ديما ورانية وكل الاحفاد والحفيدات الاعزاء المواساة والتعازي ربنا يلهمكم الصبر والسلوان وحسن العزاء، ويلهم كل من عرفك وفجع بفقدك الصبر والسلوان، فلقد كنت الرجل الرجل الكبير بكل معنى الكلمة، وما تزال ذكراك وسيرتك العطرة التي ستبقى تؤكد أننا فقدنا قامة وطنية كبيرة في خلقها ومسيرتها وتاريخها في مختلف الوظائف والمهام التي شغلها. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون والبقاء لله وحده.. تلك سنة الحياة. إنا لله وإنا إليه راجعون

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان