موجة جفاف سيئة تعصف بالعالم والقادم أسوأ

تهاني روحي لم يعد نهر الراين ذلك النهر الغزير الذي يمرّ عبر ست دول أوروبية، وبسبب موجة الجفاف المدمرة التي عصفت بأوروبا هذا الصيف سيفقده أيضا رمزه الحضاري، كونه شريان حياة وخط نقل رئيسيا في قلب أوروبا، إذ تراجع منسوبه بشكل كبير. وتلتها ايضا أنهار اوروبا جميعها التي أصبحت تتبخر خلال موسم صيفي قاس لم تشهده القارة العجوز منذ خمسة قرون، مهددا حياة اكثر من نصف سكانها. وقد حذر الخبراء مرارا وتكرارا من تداعيات الجفاف الكبيرة على المستوى الاقتصادي، حيث ستؤجل عمليات نقل البضائع، فضلا عن تضرر حركة النقل السياحي. كما لم تسلم أنهار أخرى عملاقة في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية والقرن الافريقي من هذه المشكلة، حيث تواجه جفافًا سيئا مما ينذر بأزمة جوع عالمية. وقد تجاهل صناع القرار السياسي على مدى عقود التحذيرات على صعيد مدى تحمل الأضرار الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، لكن مع تفاقم تداعيات الظاهرة هذا العام وتحديدا هذه الصيف، عادت الحكومات مضطربة تبحث عن حلول ترقيعية لحل هذه المشكلة، مما سيشكل اعباء وضغوطا متزايدة على الأفراد خلال فصل الشتاء القادم ممن يعانون من نقص في مصادر الطاقة. هنا تتزاحم الاسئلة والافكار، من هو المسؤول عن آثار التغير المناخي؟ ومن سيدفع كلفة الأضرار سوى الافراد؟ وما هي الإجراءات التي ستضمن تمثيلاً عادلاً في عملية صنع القرار؟ ومن سيتحمل هذه المسؤولية. إذاً هو ليس تحدياً تقنياً فحسب بل أخلاقياً أيضاً، والذي سيتطلب تحولاً في الأفكار والسلوكيات. واليوم، مجددا حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من أن القرن الإفريقي، يشهد أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاماً، وسيواجه أكثر من 18 مليون نسمة جوعاً شديداً الأمر الذي كان له تأثير مدمر في الزراعة وإنتاج الغذاء. كما ان أكثر من 43 % من أراضي اميركا تعاني الجفاف، وأكثر من 130 مليون شخص يتأثرون حالياً بالجفاف، فيما خسر الاقتصاد الأميركي ما يقدر بـ300 مليون دولار، بسبب الجفاف وما يرتبط به من فساد المحاصيل. كل هذه االتحذيرات والتي ستطالنا جميعا تجعلنا ننظر إلى هذا بأنه تحد عبر منظار آخر – منظار يتصور البشرية ككل موحد، فخلايا الجسم البشري اللامتناهية عدديا من الخلايا المختلفة في الشكل والوظيفة، الا أنها متحدة في الهدف المشترك الذي يسمو فوق الغرض الذي صنعت من أجله أجزاؤه المركبة. إذن هو أكثر من مجرد دعوة للتعاون؛ وإنما يسعى إلى إعادة صياغة وتشكيل أنماط من التفاعل البشري عفا عليها الزمن واتسمت بكونها غير عادلة، لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا كأعضاء عائلة بشرية واحدة. فالاحتباس الحراري والتغيير المناخي لا يعترف بالحدود ويلغي الفواصل ما بين البشرية جمعاء. لا بد للتقدم إلى أبعد من مجرد مجتمع دولي يحركه نظام اقتصادي منفعي في مجمله، بل إلى حيث يتشارك الكل في المسؤوليات لتحسين بيئة هذا الكوكب الذي نتقاسمه. ستتطلب الاستجابة للتغير المناخي تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم. أما الحلول الآنية، قد تكون في تبني تقنيات زراعية مستدامة وفاعلة لزراعة المزيد من الغذاء على مساحة أقل من الأراضي وبمياه أقل، كما يمكن للافراد تغيير علاقاتهم بالأغذية والأعلاف والألياف، والانتقال نحو النظم الغذائية القائمة على النباتات، وهنالك حاجة ماسة إلى تطبيق سياسة منسقة وشراكات وتمويل على جميع المستويات، للمضي قدماً في تقديم خطط عمل متكاملة لمكافحة الجفاف. المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان