نيبال: فاجعة أخرى تدمينا

سُلبت ضحكات نيبال الجميلة التي كانت ترن في زوايا بيتها، فتطرب أهلها. أخذت معها أحلاما صغيرة لم تتحقق بعد، وغابت بعد أن كانت زهرة يانعة تنثر عبيرها على كل من حولها، لتترك جروحا مدوية في قلوبنا سنحتاج وقتا طويلا كي نعالجها. منذ لحظة فقدان الطفلة وحتى صباح أمس، مرت علينا لحظات عصيبة، ونحن نطلع على تفاصيل قتلها البشعة والموجعة، ونتخيل كيف كانت تكابد الألم، وتختبر طعم الموت مبكرا.. مبكرا للغاية! هذه الطفلة البريئة التي لم تكمل ربيعها الرابع، وقعت ضحية بين يدي يافع خال من الإنسانية استباح روحها البريئة، ووجد في جسدها الغض الذي كان يركض فرحا للحياة؛ فريسة سهلة المنال. تلك الحادثة المأساوية التي لا يتحمل تفاصيلها إنسان، ونحن نتخيل شعورها وهي بمفردها بلا عائلتها وبلا أصحابها، تصرخ وتستنجد ولا يسمعها أحد، ذلك الشعور القاتل بمفرده، وما لحقه من أذى نفسي وجسدي أدى لنهاية حكايتها التي لم تبدأ بعد! نيبال طفلة رحلت من دون أن تعلم الذنب الذي اقترفته، اغتالوا براءتها، وتركونا أمام العديد من الأسئلة التي ننتظر الإجابة عنها.. أين قيمنا وأخلاقنا وإنسانيتنا، وما دورنا الآن لإيقاف كل ذلك الشر كي لا تقع ضحية أخرى أمام أعيننا؟ علينا أن نبحث عن إجابة وحلول، ونسارع لوضع أيدينا على الجرح قبل أن يزيد نزفا، خصوصا ونحن نعيش في مجتمع متغير يعيش فيه أشخاص يفتقدون للإنسانية والمعايير الأخلاقية! لا نعرف بهذه اللحظة على من نضع اللوم، ولا نستطيع أن نزيد التعب النفسي على أم فقدت فلذة كبدها، وستعيش كل عمرها الأسى والوجع والألم التي لن يداويها شيء. هي حالها ككل الأمهات اللواتي قد يغفلن للحظة عن الأبناء في أمكنة اعتقدن أن فيها الكثير من الأمان والحب والخير! لم يتوقف ألم هذه الطفلة برحيلها، بل زادت الإشاعات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من أوجاع العائلة. أناس عديمو الأخلاق اختلقوا الكثير من القصص التي تتحدث عنها وعن مقتلها، أغلبها معلومات كاذبة وليست صحيحة، لحين وصول البيان الرسمي من الأمن العام الذي أوضح بالتفصيل كيف حدثت الجريمة. ذلك كله، دفع ذويها أمس للظهور على الإذاعات المحلية، طالبين من الجميع التوقف عن اختلاق أحاديث وقصص سببت لهم أذى نفسيا واجتماعيا، يتوسلون الرحمة من أكاذيب ليست بمكانها، واستباحة لابنة لم يجف دمها بعد! في كل حادثة تشبه تلك، يبدأ رواد مواقع التواصل بتداول أخبار تنتهك حرمة عائلات، ذلك الدور السلبي بنشر الإشاعات وتداولها ونسب صور ليس لها، من دون أدنى حس بالمسؤولية، وما يجره ذلك على الأسرة بأكملها من ألم وأذى. ينبغي أن نعيد النظر بطريقة تعاملنا مع تلك الوسائل، وأن ننهض ونتحمل مسؤولياتنا الاجتماعية والإنسانية جميعا، علنا ندرك حجم الأذى الذي نسببه لشخص ما بسبب استهتارنا وعدم اكتراثنا بما نقوم بنشره وتداوله! وعلينا أيضا، أن نكون أكثر حرصا على أطفالنا، لأن المجتمع تغير ولم يعد كما كنا، بل أصبح يتوجب علينا الحذر أضعافا مضاعفة، وتوعية أبنائنا بكيفية التعامل مع الغرباء، وعدم تركهم بمفردهم قدر الإمكان. ربما ذلك لا يكفي، لكن علينا أن نفعل ما بوسعنا لحمايتهم من وحوش كثر يعيشون بيننا. لا شيء يوازي حجم الألم الذي تعيشه عائلة نيبال، وكمية القهر الذي يتجرعونه حسرة وغضبا وغصات حتى آخر يوم لهم على هذه الأرض. لك الرحمة يا نيبال ولأهلك الصبر.. ولنا من قصتك عبرة علنا نتعظ منها!!اضافة اعلان