هل بالغنا في تقدير طول أجل مواقع التواصل الاجتماعي

تهاني روحي  خسائر فادحة منيت بها عمالقة منصات التواصل الاجتماعي، وتم تسريح نحو 11 ألف موظف في احدى هذه المنصات، الأمر الذي يستدعي أن نتساءل: هل بالغنا في تقدير طول أجل مواقع التواصل الاجتماعي ذات الشعبية الكبيرة؟ خاصة وان ذاكرتنا شهدت بأن بعض منصات التواصل الاجتماعي تسير على منحنى النمو، ثم التألق ثم الأفول حتى تأتي منصات جديدة تحل مكان القديمة. ولكن في حالة فيسبوك وتويتر فقد كان النمو أكبر بكثير مما يمكن أن يستوعبه السوق، خاصة في فترة وباء كوفيد، حيث كان الخيار الأمثل للملايين من المستخدمين في العالم لقضاء جل أوقاتهم مع هذه المنصات متنقلين فيما بينها لتجربة خاصياتها المختلفة أو المتشابهة إبان فترة الحظر من الحركة. وتوافق الدكتورة ليانروي جيا الخبيرة في الإعلام الرقمي بجامعة شيفيلد أن هناك إشارات على تراجع في شعبية فيسبوك وتويتر، وتقول ربما نكون قد بالغنا في تقدير شأن هاتين المنصتين. وبالرغم انه ما يزال «الفيسبوك» و»تويتر» يتربعان على قاعدة كبيرة لمستخدميها وخاصة الفيسبوك التي ما تزال منصة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في العالم، الا انها وقبل عدة اشهر فإن المنصة ذاتها فقدت جل مستخدميها بطريقة لم تشهدها في تاريخها الممتد منذ 18 عاما، ما أدى الى تراجعًا قياسيا في قيمتها السوقية. فالمزاج متغير لدى المستخدمين وخاصة الأصغر سنا فهم دائمو البحث عن الجديد وسريعو الملل، وهذا من شأنه أيضا أن يثير مخاوف لدى القائمين على هذه المنصات من أن الأسباب التي يستخدم من أجلها الناس المنصة بدأت تتغير، حيث صاروا يبتعدون عن الأخبار والأحداث الجارية ويتجهون الى الترفيه والفيديوات القصيرة واتجهوا الى «التيك توك» و»بي ريل» لانها تغذي ما يطلبونه، فيما فشلت الفيسبوك في المحافظة عليهم، وهو موضوع تحدث عنه الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ، بصراحة من قبل. ولعلنا نتذكر موقع (ماي سبيس)، الذي كان أول عملاق للتواصل الاجتماعي، وبلغ عدد مستخدميه 300 مليون. لكنه خسر المنافسة مع فيسبوك، وتغير هدفه ويستخدمه فقط 6 ملايين شخص في العالم. الفكرة هي أننا نشهد نهاية دورة الحياة الطبيعية لشبكات التواصل، وبينما نتابع أفول نجم هذه المنصة، سرعان ما تبدأ منصة أخرى بالتألق واستحواذ الملايين على شعبيتها. وهي ظاهرة طبيعية فمنصات كثيرة جاءت ومضت. شركة ميتا والمعروفة سابقا بالفيسبوك نجحت في تحصين نفسها من تقلبات المستقبل من خلال شراء واتساب وإنستغرام قبل سنوات لكي تحتفظ بوجودها وأهميتها. كما أن تويتر شهد تقلبات في مزاجية مالكه مما دفع مستخدميه إلى الهجرة إلى منصات أخرى، ونحن جمهور المستهلكين او المتلقين تكون المنافسة العالية بين هذه المنصات شيء جيد لصالحنا لتقديم المزيد من الخيارات والمزيد من توفير خدمات أفضل. ونظرًا للوتيرة السّريعة الّتي تتطوّر بها بيئة الإنترنت، فقد كشفت عن إمكانيّة الحصول على درجات أكبر من التّفاعل. ومثل هذه التّفاعلات تتمثّل كونها فضاء يلتقي فيها الأشخاص ويتبادلون الأفكار. وأصبحت وسائل التّواصل الاجتماعيّ وسيلةً إضافيّة تجري فيها مثل هذه المحادثات وبشكلٍ متزايد. وتعلمنا عن كيفيّة بناء علاقات افتراضية، والمساهمة في تشكيل الأفكار وبناء محادثات جادة وعميقة. وما علينا إذن إلا أن نكون واعين ويقظين عند استخدام هذه المنصات والتّحلّي بنفاذ البصيرة والانضباط الاخلاقي. فلا زلنا نحتاج الكثير عن التعلم عن بيئة الإنترنت هذه والمتغيرة والمتقلبة المزاج. كما باتت المسؤولية أكبر على نشطاء وسائل التواصل فيما اذا كانت مساهمتهم واعية أم كانت توجه نحو سرعة النشر وإعادة التدوير للأفكار التي يتم التخلص منها بسرعة، وهل استطعنا بالفعل أن نبتعد عن «الجعجعة» اليومية ونتجه لاستكشاف واقعنا الاجتماعي؟ فحالة الفوضى التي تشهدها هذه الوسائل، والخيارات الضخمة والمحيرة من السيل الجارف للمعلومات سواء كانت مضللة أم حقيقية، علينا أن نكون متلقين واعيين، لأن هذه المنصات جعلتنا نسكتشف المفاهيم الأساسيّة والتّطلعات الشّجاعة التي كانت غائبة إلى حدّ كبير عنا والتي تحمل في طيّاتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في أسئلة وجودية. وهذا يستدعي أن تكون مساهماتنا بطريقة تعترف بقدرة جميع الناس على المساهمة في تقدم المجتمع من خلال تفاعلاتهم بطريقة إيجابية وتعترف بمجتمع مليء بأنصار التغيير البناء. وبأن التغيير المؤسسي والاجتماعي يجب أن يرافقه أيضا تغيير في القيم الإنسانية. ولا شيء غير غرس هذه القيم يمكن أن يُحدث تحوّلًا لدى الأفراد والمجتمعات، بشكل يؤمّن احترام حقوق البشر بشكل متساو. المقال السابق للكاتبة اضافة اعلان