واشنطن أصدق قولا وفعلا

إذا كان الشاعر أبو تمام الطائي قال في مطلع إحدى قصائده "السيف أصدق أنباء من الكتب .. في حده الحد بين الجد واللعب"، فإننا نستطيع القول إن الولايات المتحدة الأميركية، وبمقياس بشري، باتت أصدق قولا وفعلا، بشأن الكيان الصهيوني المارق، أو بمعنى أدق فيما يخص مصالح وأهداف الأخير، على عكس دول غربية أخرى، بعضها "عظمى"، حيث كانت على مدار التاريخ، وما تزال بوجهين، إن لم يكن أكثر، أو تكيل بمكيالين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصلحة الدول العربية، أو إعطائها حقا.

اضافة اعلان


على مدار الأيام الماضية، تسابق مسؤولو الإدارة الأميركية، أكانوا مدنيين أم عسكريين، في الظهور على شاشات القنوات الفضائية، وفي المؤتمرات والمواجز الصحفية، للتصريح علنا، من غير وجل أو خجل، أو يندى لهم جبين، بأن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي، إذا ما تعرضت دولة الاحتلال الإسرائيلي لأي هجوم عسكري، أو قصف مناطق فيها، من قبل إيران أو إحدى أذرعها في المنطقة.


قول واضح بينٌ، لا غبار عليه، ولم يتضمن أي مواربة، وليس يحتوي على مجاملة لأي طرف كان، ودليل ذلك ما يصرح أركان الإدارة الأميركية بأنهم مصرون على الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي، وأنهم سيقومون بتوجيه ضربات في حال تعرض الكيان لهمجات غير مسموح بها أو مبالغ فيها.


قد لا تحلو للبعض كلماتي هذه، لكن الحقيقة هي أن واشنطن أصدق قولا وفعلا، فهي عندما تقول أو تتوعد، فإنها تنفذ وعلى أكمل وجه، وخير دليل على صحة ما أقوله، هو تحريك طائراتها الحربية وبوارجها العسكرية وحاملات الطائرات إلى المنطقة، التي باتت على بعد أمتار من حرب، إن لم تأت على آلاف الأرواح من البشر، فإنها حتما ستقسم المنطقة إلى "كنتونات" أو دويلات، أو تركها على الغارب، لكي تنشأ بعد أعوام قليلة نزاعات بين أبناء المنطقة الواحدة.


لا تغضبوا من الإدارة الأميركية، فهي دوما وعلى مدار التاريخ، صادقة، في الوقوف، قولا وفعلا، في صف الظالم، المحتل، الإرهاب، لكن ما اختلف في هذه الأيام أنه تصاريح أركانها باتت تبث على الهواء مباشرة، وتسمع وترى من أي مكان في العالم، على عكس ما كان يجري في أيام خلت، حيث كانت تتوعد بغرف مغلقة.


لا تزعلوا ولا تعتبوا على الشيطان الأميركي، فعلى الأقل هو صادق في أقواله وأفعاله، ويدافع بكل ما أوتي من قوة عن الكيان المتمرد، بغض النظر عن نظرتنا نحن كعرب أو مسلمين إليه.. لكن تستطيعون الزعل والعتب أولا على أنفسكم، ثم على الدول الأوروبية، وكذلك روسيا والصين، فهؤلاء ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: "عشمني بالحلق خرمت أنا وداني".


تماما على عكس واشنطن، فإن الدول الأوروبية وروسيا والصين، تتعامل بأكثر من وجه مع الدول العربية والإسلامية، لا بل لا تحترمها ولا تقيم وزنا لها، وإلا فلماذا لا تدافع عن القضية الفلسطينية، وهي عادلة بمقياسهم هم أنفسهم، فتراهم تارة يطالبون الاحتلال بوقف الحرب، وتارة ثانية يؤكدون أن الكيان الغاصب تجاوز حدود القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وفي الوقت نفسه يدعمونه إما ماديا من خلال السلاح والعتاد، أو معنويا عن طريق التلاعب بالمصطلحات.


كما أن الطرف الآخر، وهم الغرب الأوروبي وروسيا والصين، لم يجرؤ على الدفاع عن دول عربية في المنطقة، لا قولا ولا فعلا، ولا حتى تلميحا، وإذا تجرأ ونطق بكلمات، تكون أكثر من ناعمة، وعلى استحياء، وكأنه "يحسس" على قط.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا