كان موعد إقلاع الطائرة من العقبة إلى عمان في تمام الساعة 6:10 دقائق مساء الخميس، وقد ارتأيت أنها فترة طويلة للانتظار لحين مغادرة "ثغر الأردن الباسم"، ما دفعني لترك المحافظة في سيارة خاصة الساعة 10.30 صباحا، ولم يكن يدور في خلدي أن الطريق ستأخذ من الوقت 10 ساعات، وأي ساعات كانت!!.
ولأن الأرصاد الجوية حذرت من منخفض جوي ماطر في ذاك "اليوم الحزين"، كان السؤال الأنسب في هذه الحالة يكمن في "أي طريق نسلك باتجاه عمان، الصحراوي أم البحر الميت؟"، لم تتأخر الإجابة ليقع الخيار على طريق البحر الميت انطلاقا من كونه في هذه الحالة الجوية أكثر أمنا.
وبمرور الوقت، كانت العلامات الإرشادية على الطريق تشير إلى أن 50 كيلو مترا هي المسافة المتبقية للوصول إلى عمان، ومن هنا بدأت القصة. توقف مفاجئ نتيجة انهيارات محدودة للتربة جراء تساقط مياه الأمطار. الأمر لم يحتج سوى لنصف ساعة للمرور، بعد أن شمر أردنيون عن سواعدهم لإزالة الحجارة الكبيرة التي تعيق الحركة، لنقف بعد مسافة قصيرة أمام مأزق أكبر عنوانه انهيارات أكثر ضراوة واجهتنا ونحن نشق طريق العودة إلى عمان.
أيضا، لم يحتج الأمر لأكثر من ساعة لتجاوز الأزمة. وأيضا كان ذلك بفعل سواعد أردنيين وبعض السياح الأجانب، لتدور عجلات المركبة بحذر باتجاه العاصمة، ليعلن القدر فصلا جديدا من الرواية، وحدا فاصلا بين الحياة والموت، حيث أعاقت حركتنا تلال من الرمال، وأطنان من المياه، لنتسمر في أماكننا لنحو 3 ساعات متواصلة قبل أن يأتي الخبر اليقين بأن لا مفر من العودة إلى الطريق الصحراوي عبر الكرك للوصول إلى عمان، ولنبدأ الرحلة من جديد، وكأن القدر يقول لنا "لم يكن طريق البحر الميت خيارا موفقا بالنسبة لكم".
على طول الطريق، كنا نستمتع بمنظر المياه وهي تتساقط من أعلى الجبال، لكن لم ننتبه إلى أن هذه المياه التي تخترق الشوارع بلا عوائق اسمنتية، أو صخرية، أو قنوات مائية، وكانت "تتمختر" بكل ثقة في منتصف الطريق دون رادع لها، تحمل في طياتها خبرا سيكون مفزعا ومرعبا وكارثيا. فقد فقدنا بسببها العديد من الأطفال، وسلبتنا عقولنا من هول الصدمة، لتعلن عن يوم حزين في تاريخ الوطن.
لا نريد أن ننساق في تحميل المسؤولية لأي جهة كانت قبل انتهاء التحقيق بتفاصيل فاجعة البحر الميت، لكن لا بد من التأكيد على أن محاسبة المسؤولين وإنزال أشد العقاب بهم ضرورة حتمية، لا مفر ولا مناص منها، ولا تنازل عنها مهما علا شأنهم.
ما حدث في البحر الميت، إعلان شهادة وفاة لتصريحات كلاسيكية تغزو وسائل الإعلام بداية كل فصل شتاء، مفادها اكتمال الاستعدادات له، فالاستعدادات ليست فقط في فتح العبارات، ومصاريف المياه، وبإعلان حالة الطوارئ المنخفضة أو القصوى، وليست فقط في تصريحات صحفية حول جاهزية السدود، وليست في التعامل مع الحوادث كردة فعل. الاستعدادات تبدأ من إدراكنا أن حياة المواطن الأردني هي أساس العمل والاجتهاد، وعدم التهاون مع أبسط الأمور التي تؤدي الاستهانة بها إلى حوادث كارثية كتلك التي أصابتنا جميعنا أول من أمس.
فاجعة البحر الميت، كان من الممكن أن تكون أكثر من فاجعة على طول الطريق تجاه عمان لولا لطف الله ورعايته، فهذا الطريق غير مؤتمن الجانب، كأولئك الذين لا يتوانون عن التقصير في أداء أعمالهم في كل زاوية من زوايا الوطن، صيفا كان أو شتاء.
