التركيز على "كورونا" هل فتح الباب لتفشي الحصبة والسل؟

1685291615458652500
جانب من عمليات تطعيم سابقة في عمان-(تصوير: أمير خليفة)

رغم تحذيرات منظمتي الصحة العالمية والأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من ارتفاع خطر تفشي الحصبة والسل وتسجيل زيادة في عدد الحالات عالميًا، نتيجة التركيز على جائحة كورونا وتداعياتها، بدأت المملكة تشهد ارتفاعا في معدلات الإصابة بهذين الدّائين ما يشكل خطرا جديدا يتوجب العمل على مكافحته.

اضافة اعلان


واعتبر خبراء أوبئة أن انعدام المساواة لجهة إمكانية الحصول على اللقاحات، جعل عددًا كبيرًا للغاية من الأطفال غير محميّين من الإصابة بداء الحصبة وغيره من الأمراض التي يمكن تفاديها باللقاحات، كما زاد احتمال ارتفاع معدلات السل وطنيا بعد وقف البرامج المخصصة له خلال جائحة كورونا وتداعياتها.


وقالوا في تصريحات منفصلة لـ "الغد" إن الأشخاص الذين يعانون من أمراض معينة، بما في ذلك السل، هم أكثر عرضة للإصابة بمتحور شديد التأثير من فيروس كورونا، خاصة وأن هذه الأمراض المعدية تهاجم الرئتين في المقام الأول، إضافة إلى ضعف التحصين من مرض الحصبة.


وأشاروا إلى أن كلا المرضين (كورونا والسل) يهاجمان الرئتين بشكل أساسي، ويُظهِر الأشخاص المصابون بهما أعراضًا متشابهة، كالسعال والحمى وصعوبة التنفس، في حين أن العدوى تنتشر بشكل رئيسي عن طريق الاتصال.


وفي السياق، قال اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية الدكتور محمد حسن الطراونة  لـ "الغد" إنه "كانت هناك حالة من التراخي الرسمي في مكافحة الحصبة والسل خلال جائحة كورونا"، لافتا إلى أن وزارة الصحة أكدت بشكل رسمي وجود حالات من الإصابات بمرض الحصبة وذلك بسبب تراجع مستويات التطعيم في الأردن، بعد أن نبهت لذلك منظمة الصحة العالمية وحذرت وزارة الصحة الأردنية من ارتفاع في أعداد الإصابات بمرض الحصبة في البلاد.


وتساءل الطراونة عن دور المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية في وضع خطة استجابة سريعة لمثل هذه الظروف وإصدار التوصيات للسلطات الصحية، واتباع إجراءات معينة لاحتواء مثل هذا الارتفاع في أعداد الإصابات، كالتدقيق على المراكز التي تقوم بإعطاء المطاعيم للفئات العمرية المستهدفة، وأيضا إجراء دراسات مسحية لجميع محافظات ومناطق المملكة؛ لمعرفة الأرقام الفعلية والحقيقية لأعداد الإصابات في الحصبة.


وتابع: "كان يتوجب على وزارة الصحة والمركز الوطني أيضا إصدار النشرات التوعوية والإرشادية للمواطنين وللكوادر الطبية والصحية لمتابعة هذا الطارئ، لأن هذا الشأن هو في صميم عمل المركز".


وزارة الصحة بدورها اعترفت بزيادة أعداد المصابين بالحصبة منذ شهر نيسان (إبريل) الماضي، وفقا لمدير إدارة الأوبئة في الوزارة الدكتور أيمن مقابلة.


وقال مقابلة لـ"الغد" إن مرد هذه الزيادة لعدم اكتمال المطاعيم للأشخاص الذين تعرضوا للإصابة، لافتا إلى أن جميع المصابين إما أنهم لم يتلقوا المطاعيم أو تلقوا جرعات غير كافية.


وأوضح أن أعداد الإصابات منذ 16 نيسان (ابريل) الماضي وصل إلى 27 حالة بين جميع الفئات العمرية ومعظمها بين الأطفال الرضع أقل من سنة، وللفئة العمرية أكثر من 12 سنة.


وأشار إلى أن وزارة الصحة شكلت إثر ذلك فرق استجابة سريعة للكشف عن حالات الحصبة وعزلها ومتابعة المخالطين وتطعيمهم.


ولفت إلى أن الآثار السلبية لجائحة كورونا وما رافقها من إغلاقات أثرت سلبيا على نسب التغطية لبرامج التطعيم الوطنية الروتينية.


بدورها، بدأت وزارة الصحة، أيضا، وفقا للمقابلة، بالرصد النشط للكشف المبكر عن الحالات ومتابعة المخالطين، والتعميم على جميع المدارس في المملكة للتأكد من اكتمال برامج المطاعيم للطلاب ومتابعة مطاعيمهم.


وحول إجراءات الكشف عن حالات السل، قال بأنه يتم إجراء فحص صورة شعاعية للصدر للوافدين للتأكد من عدم خلوهم من هذا المرض، وفي حال تم الاشتباه بالإصابة يتم إجراء فحص عينة البلغم، والتوبركولين.


وتابع: "في حال تبين أن الفحص إيجابي يتم إجراء التسفير تبعا لتعليمات منح شهادة خلو الأمراض".


وبين أنه يتم إجراء الفحص للأردنيين، وفي التجمعات ومراكز الإصلاح ومخيمات اللاجئين ومخالطي مرضى التدرن، حيث يتم إجراء الفحوصات السابق ذكرها علما أن إجراء كافة الفحوصات التشخيصية يتم ضمن البروتوكولات المعتمدة لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الأردنية.


وبين المقابلة أن تعليمات التعامل مع الحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها بالحصبة أو الحصبة الألمانية داخل المنشآت الصحية تكمن بتفعيل الرصد النشط داخل كافة المنشآت الصحية استنادا إلى تعريف الحالة المعتمد، هل هي حالة مشتبهة أم محتملة، ولكل من الحالتين إجراءاتها.


وبين أن التقليل من الاختلاط مع المرضى المحتمل إصابتهم بالحصبة في أماكن الرعاية الصحية يكون من خلال تفعيل محطات تصنيف المراجعين في أقسام الطوارئ (Triage) للتعرف السريع على المرضى المصابين أو المشتبه بإصابتهم وعزلهم بسرعة.


إضافة إلى تزويد الأشخاص الذين تثبت إصابتهم أو تظهر عليهم علامات أو أعراض الحصبة بقناع للوجه، وحثهم على الالتزام بآداب السعال ونظافة اليدين، وزيادة الوعي عبر نشر تنبيهات مرئية كاللافتات، والملصقات عند مدخل المنشآت وفي الأماكن العامة.


وقال: "من الإجراءات أيضا تعبئة الاستقصاء الوبائي الخاص بالحالة المشتبهة وسحب عينة دم للفحص السيرولوجي للحصبة حسب الأصول، ومن ثم يتم تبليغ ضابط ارتباط ضبط العدوى في المنشأة وقسم رقابة الأمراض في مديرية الصحة المعنية عن الحالة المشتبهة وإرسال العينات إلى المختبر المركزي بالسرعة القصوى".


وبين أنه يوصى بالتأكد من أن مقدمي الرعاية الصحية، خاصة من يعملون في الأقسام الأعلى خطورة مثل الأطفال، والنسائية، والباطني، لديهم المناعة الكافية ضد الحصبة، كما يوصى باستخدام جرعتين من مطعوم الحصبة لجميع الكوادر، والالتزام باحتياطات منع وضبط العدوى القياسية واحتياطات عزل العدوى المنقولة بالهواء.


بدوره قال خبير الأوبئة الدكتور عبد الرحمن المعاني إنه ووفقا لإحصائيات وزارة الصحة المعلنة، تم تسجيل 27 حالة حصبة جديدة في المملكة في مناطق مختلفة، وهذا الأمر متوقع نظرا لتركيز جهود وزارة الصحة على وباء كورونا المستجد وإهمالها البرنامج الوطني للتطعيم، وهذا ما توقعناه وحذرنا منه سابقا.


وتابع المعاني: "دعونا وزارة الصحة إلى الاهتمام بموضوع المطاعيم لتعزيز صحة الأطفال عن طريق البرنامج الوطني للتطعيم وأن يكون أولية عمل لها، لكن للأسف حدث ما كنا نخشاه".


وأشار إلى أن المطلوب من الوزارة الآن إجراء الرصد النشط في جميع المحافظات والمناطق، لأن عدد المصابين أكبر بكثير من المعلن رسميا، حتى يتم حصر الأعداد الصحيحة من حالات الحصبة والأمراض الأخرى التي يمكن أن تظهر على الأطفال وباقي الفئات العمرية في حالة عدم التطعيم، وهذا الأمر ينطبق على مرض السل المقاوم للأدوية.


ولفت إلى أن انعدام المساواة في اللقاحات، وتحويل الموارد المالية من خدمات التحصين الروتيني، لصالح كورونا، جعلت عددًا كبيرًا جداً من الأطفال غير محميّين من الإصابة بداء الحصبة وغيرها من الأمراض التي يمكن تفاديها باللقاحات.


وتابع: "واقع التطعيم في المملكة تجب مراجعته وتقييمه؛ لأن نسبة التغطية الصحية بالتطعيم في البرنامج الوطني كانت 98 % في الأعوام السابقة قبل جائحة كورونا، إلا أن النسبة هبطت إلى مستوى أقل من 90 %".


وقال: "هذا التدني يؤدي إلى ظهور أمراض الطفولة التي تم القضاء عليها في السابق، لكن للأسف، ولتدني نسبة التطعيم، ستعود هذه الأمراض، سواء الحصبة أو الأمراض الأخرى، في حال لم تقم الوزارة بتدارك الأمر سريعا وإعادة الألق لبرنامج التطعيم الوطني سريعا، وزيادة نسبة التغطية بالمطاعيم لجميع الفئات العمرية المستهدفة للحد من ظهور أمراض أخرى".

 

اقرأ المزيد : 

الحصبة تنتشر.. و"الصحة" تتجهز للمواجهة