- لا بد من بناء نظام إعلامي أردني يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية بأبعادها المختلفة.
- إننا اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة كامل المنظومة التشريعية الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي ابتداء من قانون المطبوعات والنشر وليس انتهاء بقانون نقابة الصحفيين الأردنيين
مع التعديلات الواسعة التي جرت على قانون الجرائم الإلكترونية، والتغيرات الحاصلة في وسائل الصحافة والإعلام والانتقال من الشكل التقليدي لهذه الوسائل إلى الشكل الحديث؛ عبر المنصات الرقمية وأنظمة الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، فإننا اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة كامل المنظومة التشريعية الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي ابتداء من قانون المطبوعات والنشر وليس انتهاء بقانون نقابة الصحفيين الأردنيين، التي تعد المظلة المهنية الوحيدة «قانونيا» للصحفيين في المملكة.
إن أي تعديلات يجب أن تنطلق من الرؤية الملكية لوسائل الصحافة والإعلام باعتبارها شريكا أساسيا في عملية التنمية، ودعوات جلالة الملك عبدالله الثاني المستمرة إلى بناء نظام إعلامي أردني حديث يشكل ركيزة لتحقيق التنمية بأبعادها المختلفة، ومواجهة التحديات، كما لا بد وأن تنطلق أي دراسات ومراجعات للنصوص القانونية الواردة في هذا القانون من ضرورة إعادة تعريف الصحفي والإعلامي؛ فلا يعقل في العام 2023 أن يبقى تعريف الصحفي قاصرا على «من ينتمي للنقابة ويتخذ الصحافة مهنة له»، لا سيما في ظل تغير الأشكال الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي؛ فالمواطن اليوم هو صحفي يستخدم هاتفه النقال وينقل الخبر بكل سهولة إلى المسؤول من خلال حسابه أو حسابات أخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يستدعي فتح المظلة بشكل أوسع في قانون النقابة لمن ينتمون إلى هذه المهنة.
وليس هذا فحسب، لا بل يخلو قانون المطبوعات والنشر وقانون نقابة الصحفيين على حد سواء من تعريف الإعلامي وتحديد الفروقات ما بينهما؛ فالعمل الصحفي – في القانون – ليس هو العمل الإعلامي، والمذيع الذي يعمل في إحدى القنوات التلفزيونية ليس صحفياً بمفهوم قانون المطبوعات والنشر، وفي هذا تقييد للعمل الإعلامي وتقزيماً لدوره، لا سيما وأن العمل الإذاعي يعتبر رافعة للعمل الإعلامي ككل بما يستدعي ضم جمعية المذيعين إلى النقابة مع تعديل قانون الأخيرة!
لقد حدد قانون المطبوعات والنشر الأردني ضوابط العمل الصحفي والحرية الصحفية والقيود الواردة على ممارستها، كما أورد شروطا يجب أن تتوافر فيمن يمارس العمل الصحفي، لكن المشكلة الأساس في نصوصه تكرار نصوص واردة أصلاً في الدستور – من دون حاجة قانونية إلى ذلك – فلماذا يعيد القانون تكرار مفاهيم قانونية واردة في الدستور أعلى الهرم التشريعي في الدولة؛ حيث كرر القانون النص على أن «حرية الصحافة والطباعة حرتان» وأن «حرية الرأي والتعبير مكفولة»، كما جاء في المادة 3 منه، وكذلك المادة 4 التي نصت على أنه «تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الأخبار والمعلومات والتعليقات وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم»، وفي هذه النصوص إعادة وتكرار لا لزوم له.
ومن مشكلات الصياغة التي تواجه القانون أيضاً؛ أن المواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية انتشرت في الأردن انتشارا هائلا منذ العام 2004 والتي لم تكن تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة القانونية، ولا لنصوص قانون المطبوعات والنشر حتى جاء قرار محكمة التمييز الأردنية في العام 2010 والذي أخضع جميع المواقع الإلكترونية لأحكام قانون المطبوعات والنشر الأردني؛ حيث قررت المحكمة «اعتبار المواقع الإلكترونية من المطبوعات» ثم جرى تعديل القانون لاحقا عام 2012 لينص بصورة واضحة على تعريف المطبوعة الإلكترونية بأنها «موقع إلكتروني له عنوان إلكتروني مُحدد على الشبكة المعلوماتية يقدم خدمات النشر..»، لكن هل هذا المفهوم اليوم ينطبق على المنصات الرقمية التي تطلق تطبيقات ذكية لها على الهواتف المحمولة.. هنا لا بد وأن يجيب القانون، وهو ما أرى معه ضرورة تعديله!
ولعل واحدا من أهم الصياغات القانونية التي تتعرض إلى انتقادات نص المادة 42 من القانون؛ حيث لا تمنع نصوص قانون المطبوعات والنشر من حبس الصحفيين وفقا لقوانين أخرى؛ إذ يمكن معاقبتهم وفقا لأحكام قانون العقوبات وغيرها من القوانين الجزائية، الأمر الذي يتطلب إعادة فتح النقاش حول هذا الموضوع، بما يعزز من حرية الصحافة من جهة ويحدد المسؤولية القانونية والجزائية للصحفيين وفقا لقواعد قانونية منضبطة، لا سيما وأن ديوان تفسير القوانين فرق ما بين الصحفي وغيره من الناشطين الذين يتناقلون الأخبار أو الإعلاميين من غير أعضاء النقابة.
وتطبيقا لذلك فقد أكد الديوان الخاص بتفسير القوانين أن المشرع اعتبر المطبوعة الإلكترونية نوعاً من أنواع المطبوعات الصحفية، وأنّ إعطاء القانون للمطبوعة الإلكترونية حق اختيار التسجيل لا يعفيها من استكمال إجراءات الترخيص وفق أحكام القانون قبل ممارسة أعمالها، وأن المطبوعة الإلكترونية تخضع لذات شروط ترخيص المطبوعة الصحفية المنصوص عليها في قانون المطبوعات والنشر ويتوجب عليها بصفتها مطبوعة صحفية دورية الحصول على الترخيص قبل صدورها، وبخلاف ذلك تكون عرضة لتغريمها وفق أحكام المادة (48) من القانون ذاته، وتكون أيضا وفق نص المادة (49) من القانون ذاته غير مستفيدة هي ومالكها وناشرها وكتابها وصحفيوها والعاملون فيها من مزايا قانون المطبوعات والنشر ما لم تكن مرخصة ومسجلة وفقا لأحكامه ومن هذه المزايا ما هو منصوص عليه في المادة (8) من ذات القانون والتي تعطي للصحفي الحق في الحصول على المعلومات وتسهيل مهمته من قبل جميع الجهات الرسمية والمؤسسات العامة وحقه في تلقي الإجابات عما يستفسر عنه من معلومات وأخبار من الجهات المختصة بالسرعة اللازمة وحقه في حضور الاجتماعات العامة وجلسات مجلس الأعيان ومجلس النواب والجمعيات العامة للأحزاب والنقابات والاتحادات والأندية والشركات المساهمة العامة والجمعيات العامة وغيرها من مؤسسات عامة وجلسات المحاكم العلنية وعدم جواز التدخل بعمله في إطار مهمته أو التأثير عليه أو إكراهه على إفشاء مصادر معلوماته.
في الختام، هناك الكثير من الصياغات القانونية التي تحتاج إلى نقاش واسع، في ظل التطور التقني والتكنولوجي الحالي في تناقل المعلومات.. لذا لا بد من أن نقرع الجرس مجدداً، وأن ننطلق في عملية النقد الواسع لقانون المطبوعات والنشر من الرؤية الملكية ومن النصوص الدستورية، من أجل صحافة مهنية أفضل وإعلام أقوى.