وسط تنامي دعوات منظمات دولية معنية بقطاع التعليم ومقترحات مختصين بالشأن التربوي إزاء التحول الرقمي في التعليم لا سيما بعد جائحة كورونا، أعدت وزارة التربية والتعليم نظام التعليم الإلكتروني في المؤسسات التعليمية لسنة 2023، والذي نشر مؤخرا على الموقع الإلكتروني لديوان التشريع والرأي، للتعليق عليه قبل إقراره بصيغته النهائية.
وبينما أجازت مسودة النظام بقرار من الوزير التحول إلى التعلّم الإلكتروني في المؤسسة التعليمية لضمان استمرار التعليم في الحالات الاستثنائية الطارئة أو القوة القاهرة التي تحول دون وصول المعلمين والطلبة إلى مدارسهم، اعتبر خبراء تربويون في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، أن وجود نظام للتعليم الإلكتروني في وزارة التربية والتعليم يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، وسيسهم في تحسين نوعية وضبط عملية إدارة التعليم، ويشكل علامة فارقة في تطور النظام التعليمي في الدولة وشكل الإنسان الذي نريده للمستقبل.
وفي هذا الصدد، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد أبو غزلة إن وجود نظام للتعليم الإلكتروني في المؤسسات التعليمية يعد حاجة أساسية في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي أصبحت تؤثر على جميع مجالات الحياة ومنها المجال التعليمي.
واستدرك أبو غزلة أن من المهم ألا تقتصر مبررات وجود هذا النظام على منح الوزير صلاحية التحول إلى التعلم الإلكتروني في المؤسسة التعليمية لضمان استمرار التعليم في الحالات الاستثنائية الطارئة أو القوة القاهرة التي تحول دون وصول المعلمين والطلبة إلى مدارسهم، أو لغايات تنظيم عملية تدريس المناهج والكتب المدرسية المقررة من الوزارة عبر منصات تعليمية مرخصة من الوزارة، بل يجب أن يكون المنطلق من أن التعليم والتعلم الإلكتروني أصبح حاجة أساسية لتحسين جودة التعليم وضبط وإدارة أدواته، وضمان توظيف معظم أشكال التعليم المختلفة.
وبين أن التعلم الإلكتروني وإنشاء منصة خاصة بالوزارة، سيوفر عليها المال والوقت للتجهيز والإعداد لمتطلبات العام الدراسي، من توفير معلمين وأبنية، وطباعة كتب ومقاعد وقرطاسية، فضلا عن قاعات للتدريب ومواصلات وغيرها، ناهيك عن توفير التعليم في أوقات مختلفة، كما سيوفر الجهد على الوزارة في متابعة الأعمال الإدارية والتفرغ لمتابعة الأعمال الفنية.
وتابع: "كما أن وجود منصة للتعلم خاصة بالوزارة، سيعمل على تحسين نوعية التعليم من خلال زيادة التفاعل بين المعلم والمتعلم، وتوفير تعلم حسب حاجات ورغبات المتعلمين بجميع فئاتهم، إضافة إلى توثيق كل عمليات التعليم للمعلم والمتعلم من مشاركات وتعليقات وإنجاز المهام المطلوبة، وأيضا لتحقيق الهدف المشار إليه في النظام من ضمان استمرارية التعليم عند حدوث بعض الأمور الطارئة".
واعتبر أن وجود هذا النظام بعد إقراره سيشكل فرصة كبيرة لترجمة الشراكة مع القطاع الخاص والتبادل في الخبرات كونها فرصة للتشبيك والتعاون مع المؤسسات التعليمية والشركات المحلية في بناء وتوفير المنصات التعليمية، كما يمكن الاستفادة ايضا من الجهود التي تمت في بناء المنصات التعليمية إبان الجائحة والبناء عليها شريطة توفير كل متطلبات النجاح لذلك لجميع عناصر العملية التعليمية.
ودعا إلى عدم اقتصار دور الوزارة على وضع الشروط والأسس لترخيص المنصات التعليمية بل عليها أن تدير وتضبط عمل انتشار المنصات التعليمية وأماكن بيع بطاقات المنصات التعليمية والملازم التعليمية الخاصة بالمواد الدراسية التي أثقلت كاهل الأسر والطلبة، وأثرت على أداء الطلبة، كما على الوزارة أن تعمل على متابعة هذه المنصات وفق آليات محكمة من خلال إنشاء وحدة خاصة في كل مديرية تربية وتعليم بالتعاون مع الجهات المعنية وتكون لديها صلاحيات اتخاذ القرارات الحاسمة.
وأكد ضرورة أن يكون للوزارة دور فني في عملية الترخيص من خلال التيقن من استيفاء هذه المنصات التعليمية لمكونات هذه المنصات، بحيث تكون منصات متكاملة متعددة المصادر على شبكة الإنترنت لتقديم المقررات الدراسية الرقمية وغيرها، والبرامج التعليمية، والأنشطة التربوية ومصادر التعلم الإلكترونية للمعلمين والمتعلمين في أي وقت ومكان بشكل متزامن وغير متزامن، باستخدام أدوات تكنولوجيا التعليم والمعلومات والاتصالات التفاعلية بصورة تمكن المعلم من تقويم المتعلم.
وشدد أبو غزلة على ضرورة ألا يقتصر دور الوزارة على الجوانب الإدارية، وعليه يمكن أن يكون نظام التعلم الإلكتروني المقترح علامة فارقة في تطور النظام التعليمي في الدولة وفي شكل المخرج والإنسان الذي نريده للمستقبل، مؤكدا ضرورة تحديد الوزارة أولوياتها في عملية التطوير والتركيز على توظيف أدوات التكنولوجيا الحديثة في عملية التعليم والتعلم، وتوفير جميع متطلبات التطبيق.
وشاركه الرأي مدير عام مدارس الرأي وكينغستون الدكتور محمد أبو عمارة الذي قال إن مسودة مشروع نظام التعليم الالكتروني للمؤسسات التعليمية جاءت لوجود فوضى عارمة في عمل المنصات الالكترونية التي زاد انتشارها خلال فترة جائحة كورونا، حين انقطع الطلبة عن التعليم الوجاهي داخل أسوار المدارس.
وبين أن المشكلة الحالية التي تواجه المنصات تتمثل في عدم وجود رقابة ومعايير محددة تضبط هذا الفضاء الإلكتروني، فلذلك نجد محتوى المقدم ليس بالمستوى المطلوب، أو يتم تقديمه بشكل خاطئ، ولذا لا بد من إيجاد نظام لتنظيم هذا الفضاء.
ورأى أن هناك الكثير من المنصات التعليمية غير المرخصة، بعضها يقدم محتوى علميا غير دقيق، وأخرى يقدمها أشخاص غير مختصين، لكن مع إقرار هذا النظام بشكل رسمي فسيساهم ذلك في معالجة هذا الأمر.
وأوضح أبو عمارة أن النظام المقترح أجاز لوزير التربية والتعليم اللجوء لاستخدام التعليم الإلكتروني في حالات محددة، وهذا أمر إيجابي، لافتا إلى أن منع المنصات الإلكترونية غير المرخصة من تدريس الكتب والمنهاج الوزاري هو مؤشر إيجابي لضبط العملية التعليمية.
وأكد أن التعليم الإلكتروني بات اليوم ضرورة ملحة في عصر التكنولوجيا، ولا بد من تفعيله على مدار العام الدراسي وفق مبررات، والاستفادة من أدوات التعلم التي توفرها تلك المنصات التفاعلية كونها ستساهم في إيصال المعلومة للطلبة بشكل ممتع وجذاب ومشوق.
بدوره، رأى الخبير التربوي عايش النوايسة أن جائحة كورونا فرضت تغيرا كبيرا في العالم بأكمله، بما في ذلك قطاع التعليم، وباتت المدارس والجامعات والنظم التربوية تبحث عن طرق تعليم جديدة، فأصبح هناك مطلب للتحول بالتعليم من شكله التقليدي إلى الحديث الذي يعتمد على استخدام التكنولوجيا.
وبين النوايسة أنه في ضوء التطور التكنولوجي الذي نشهده اليوم، وانتشار المنصات التعليمية بشكل كبير، تولدت فوضى في تقديم البرامج التعليمية، الأمر الذي أدى إلى إرباك الطلبة وأولياء الأمور، وهو ما انعكس بصورة سلبية على المجتمع ككل، وعلى أولياء الأمور الذين ثقل كاههلم من خلال إشراك الأبناء في هذه المنصات، ومن خلال شراء الملخصات التي لا تغني أبداً عن المنهاج.
وأضاف: "كل هذه الفوضى ولّدت لدى المعنيين في الجهاز الحكومي التربوي ضرورة وجود قانون ينظم التعليم الإلكتروني ويربطه مع المؤسسات التربوية المرخصة".
وأشار النوايسة الى ان تنظيم التعلم الإلكتروني، وبشكل خاص المنصات وربطها مع المؤسسات التعليمية، تعد مطلبا للجميع، فجودة التعليم ومخرجاته جزء لا يتجزأ من رؤية التحديث الاقتصادي التي أعطت للتعليم وبرامجه وزنا كبيرا في تحسين الاقتصاد، وبما ينعكس على توفر فرص عمل نوعية تعتمد على مخرجات التعليم على المستوى المحلي والعربي.
ولفت الى أن التعلم الافتراضي يتطلب رقابة تربوية وتعليمية على ما يقدم من خلاله، بغية تقديم برنامج تعليمي ينسجم مع أهداف وفلسفة التربية وغاياتها.
اقرأ المزيد :
التربية تقر نظام التعلم الإلكتروني في المدارس