وسط تنامي مخاوف تكرار ظاهرة جفاف الأمطار في بلد يصنف ثاني أفقر دولة مائيا على مستوى العالم، أكّد خبراء في قطاع المياه ضرورة بناء القدرة على الصمود في وجه الجفاف عبر تعزيز إدارة الطلب على المياه، وإعداد خطة وطنية شاملة لمواجهة تداعياته.
وعلى مشارف الموسم المطري المقبل 2023 – 2024، يتحول العجز المائي سريعا، ليكون هو الوضع المعتاد القديم الجديد، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عملية وقابلة للتطبيق ضمن تحديات مائية ومالية، في وقت حذر فيه متخصصون، في تصريحات لـ"الغد"، من خطورة التحديات الناتجة عن شح المياه في الأردن مقارنة بمناطق أخرى من العالم.
وفيما نبّه تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة البنك الدولي، وحصلت "الغد" على نسخة منه، من مخاطر ازدياد حدة "صدمات جفاف الأمطار" الشديدة، بمعنى هطول الأمطار أقل من متوسطها بنسبة 233 % في بعض المناطق في العالم على مدار نصف القرن الماضي، أوصى مختصون بأهمية الاستفادة القصوى من المياه المتاحة في الأردن، والحد من هدرها والمحافظة عليها وعلى مصادرها، وتقليل الفاقد، وتعزيز مبادئ استخدامها بأعلى درجات الكفاءة.
وفي هذا الإطار، أكدت الخبيرة الإقليمية في قطاع المياه م. ميسون الزعبي أهمية "حسن استثمار واستخدام المتوفر من مياه الأمطار، مهما كان قليلا، والتعرف على السبل السائدة لحصاد المياه، ووضع رؤية مستقبلية لتطوير تقنياته في تأمين مصادر أساسية للمياه"، وذلك رغم ارتباط عمليات حصاد مياه الأمطار بعوامل رئيسية لا يمكن التحكم فيها كالظروف المناخية السائدة أو ظروف طبيعة التربة.
وقالت الزعبي إنه رغم التقدم المحرز في تنفيذ بعض البرامج في قطاع المياه في الأردن، إلا أن "الحاجة ما تزال ماسة لمزيد من الجهود الفعالة لضمان الأمن المائي والغذائي"، محذرة من خطورة التحديات الناتجة عن شح المياه في الأردن مقارنة بمناطق أخرى من العالم.
ولبناء قدرة الأردن على الصمود في وجه الجفاف وتناقص الهطولات المطرية، أوصت الزعبي بضرورة تعزيز إدارة الطلب على المياه، وتحقيق التوازن بين إدارتي التزويد والطلب، والاستفادة القصوى من المياه المتاحة والحد من هدرها والمحافظة عليها وعلى مصادرها، وتقليل الفاقد وتعزيز مبادئ استخدامها بأعلى درجات الكفاءة.
كما دعت إلى أهمية استثمار الأردن وبشكل استباقي، في نظم المعلومات والمؤسسات والبنية التحتية التي تبني القدرة على الصمود أمام موجات الجفاف، والاعتماد على أنظمة الرصد والإنذار المبكر، وتحلية المياه، وبرامج إعادة استخدام المياه وإعادة تدويرها، فضلا عن تجميع مياه الأمطار.
وذلك إلى جانب تفعيل دور المؤسسات والتخطيط، عبر آليات كالتشريعات المتعلقة بالجفاف، وصولا للتأهب للجفاف والاستجابة له، وتنسيق التخطيط على مستويات متعددة لكل من الاستجابة للطوارئ قصيرة الأجل، وتخطيط الاستثمار طويل الأجل، بالإضافة إلى تعزيز دور المرأة في تخطيط مشروعات مياه الشرب، خاصة في المناطق الريفية.
وأشارت الزعبي إلى ضرورة الاهتمام برفع كفاءة الاستخدام والسيطرة على التلوث، والحد من الاستخدام الجائر للمياه، توازيا واستناد إدارة المياه إلى نهج تشاركي يضم مستخدمي المياه ومخططيها وواضعي سياساتها، لوضع سياسات فعالة لمواجهة الاحتياجات المحددة.
من ناحيته، أوصى الأمين العام الأسبق لسلطة المياه م. إياد الدحيات، بضرورة إعداد خطة وطنية شاملة لمواجهة آثار الجفاف على القطاعات الرئيسية، وأهمها قطاعا المياه والزراعة.
ولفت الدحيات إلى أهمية أن تشتمل الخطة على استخدام أنظمة الرصد والإنذار المبكر، وتكنولوجيا الفضاء في النماذج التنبؤية لدراسة سلوك المتغيرات الجوية من حرارة ورطوبة ورياح.
وأكد أهمية بذل مزيد من الجهود الذكية لتقليل الطلب على المياه عبر جهود لرفع كفاءة استخدام المياه، من خلال إصلاح الكسور وتسرب المياه في الشبكات، وتقنين استخدام المياه الجوفية للأغراض الزراعية في المناطق المرتفعة، وإعادة استخدام المياه المعالجة للاغراض الزراعية والصناعية، بالإضافة إلى تسريع وتيرة تنفيذ مشروع التحلية والناقل الوطني.
ويساهم مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، بزيادة الصمود أمام تهديدات الجفاف، حيث سيوفر 300 مليون متر مكعب سنويا من المياه غير التقليدية الناجمة عن التحلية لكافة الاستخدامات المنزلية وغير المنزلية، وسينتج عن استهلاكها 240 مليون متر مكعب سنويا من مياه الصرف المعالجة التي ستستخدم لغايات الري في وادي الأردن، ما يعني تعزيز قدرة القطاع الزراعي على الصمود.
وإلى جانب ذلك، دعا الدحيات إلى تشجيع الزراعات والنمط الزراعي المقاوم للجفاف، والتي تتكيف مع التغير المناخي، وزيادة كفاءة الري كالري بالتنقيط والرش، توازيا ومنح المزارعين حوافز لاعتماد تقنيات الري الموفرة للمياه.
وفي تفاصيل التقرير "البنك الدولي"، يتوقع أن تزيد مساحة الأراضي والسكان الذين يواجهون موجات جفاف شديدة إلى أكثر من الضعف على مستوى العالم، بحلول أواخر القرن الحادي والعشرين.
ورغم عدم تأكيدات التوقعات إزاء هطول الأمطار مستقبلا وإلى حد بعيد، فإن نماذج تغير المناخ تجمع على أن هطول الأمطار سيصبح أكثر تقلبا وتطرفا تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة، بحسب التقرير.
ولخّص استشاري المياه والبيئة د. لؤي الفروخ أهم الإجراءات المتعلقة بمواجهة جفاف الأمطار، بضرورة خفض الفاقد من المياه المنزلية أو الزراعية، والحصاد المائي المنزلي والزراعي، خاصة في المناطق الجبلية وذات الهطول المطري العالي، وصياغة برامج التوعيه للناس والمزارعين لتقنين الاستهلاك في فترات الجفاف.
ودعا الفروخ إلى وضع نظام التعويضات للمزارعين بشكل خاص والمستهلكين بشكل عام، مشيرا إلى إنشاء وحدة لإدارة الجفاف في وزارة المياه، وهي مسؤولة عن التنسيق مع كل الجهات المعنية، وتقوم بتنفيذ استراتيجية التخفيف من أثر الجفاف، وذلك من خلال مشروع قسم التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة الذي شارك بتنفيذه بالتعاون مع وزارتي المياه والبيئة.
اقرأ المزيد :
مؤشرات أولية.. أمطار قد تتحول إلى عاصفة تؤثر على الأردن والمنطقة