غياب الإرشاد التربوي يعمق الضغوطات النفسية للطلبة خلال الجائحة

طالبات في غرفة صفية بإحدى المدارس الحكومية في عمان - (تصوير: أمير خليفة)
طالبات في غرفة صفية بإحدى المدارس الحكومية في عمان - (تصوير: أمير خليفة)
أحمد الملكاوي عمان - بعد إعلان وزارة التربية والتعليم بدء العام الدراسي 2020-2021 بالتعليم الوجاهي وبروتوكول صحي خاص، ظلت تالا عياصرة وزميلاتها في الثانوية العامة يتأملن باستكمال هذا الأسلوب وعدم العودة للتعليم عن بعد بسبب العام المصيري الذي يقبلن عليه وما سيرافقهن معه من ضغط نفسي وتوتر يتصاعد باستمرار مع قرب الامتحانات الرسمية. عندما خاب أمل تالا وعادت للتعلم عن بعد، كانت بحاجة إلى مرشدة تربوية تبسط لها المفاهيم وتساعدها على التأقلم مع الوضع الصعب الذي تعيشه المملكة بسبب جائحة كورونا، ومع عام الثانوية العامة الذي يعد أكثر الاعوام مفصلية للطالب المدرسي لكونه العام الفاصل عن الدراسة الجامعية. تقول تالا، إنّ أول أسبوعين في التعليم الوجاهي، شهدا تعاوناً جيداً مع المرشد التربوي والمعلمين والمعلمات في المدرسة، انقطع ذلك عند العودة للتعليم عن بعد واقتصر على المكالمات الهاتفية دون تقديم جدول أو أسلوب مشترك واضح بين مختلف الطلبة في المدرسة. وتضيف أنّ الجدول اقتصر على الدراسة والنوم ثماني ساعات فقط، حتى أنّ التعلم عن بعد ولد ضغطاً كبيراً على الطلبة إثر التعب المتراكم الناجم عن التفاعل الصريح مع المعلمين والمرشد التربوي الذي يمثل الحلقة الأهم بين الطالب ومعلمه ومنزله. ترى تالا أنّ مشكلة المرشد التربوي متأرقة من قبل الجائحة التي أدت للحاجة الكبرى لوجوده، علماً أنّ طلبة الثانوية العامة هذا العام يختلفون عن أي من سابقيهم بسبب بدء التعلم عن بعد واعتماده منذ بدء العام الدراسي تقريباً، ما زاد التخوفات بحكم خصوصية الثانوية العامة عبر الحاسوب أو الهاتف المحمول. غياب المرشد التربوي لم يؤثر على طلبة الثانوية العامة وحسب، فالطالبة يارا فريحات فترت عزيمتها الدراسية عن سابقتها قبل الجائحة حين كانت من الطلبة الاوائل في الصف السادس، واليوم بعد عام من الجائحة باتت "ما بتعرف شو في بالكتب" وفق والدها أكرم الذي يرى أنّ التعليم عن بعد افتقر لوجود المرشدة التربوية ودورها في تكييف الطالبة مع المادة أو الوضع الراهن. يرى الفريحات أنّ وجود المرشدة التربوية كان سيخفف الضغوطات التي تتعرض لها ابنته جراء استمرار التعقيدات في التعليم وابتعادها عن الغرفة الصفية التي لا بديل عنها. في الوقت ذاته، يؤكد مدير إدارة التعليم العام سامي المحاسيس أنّ دور المرشدين التربويين خلال جائحة كورونا توجه للوقاية من فيروس كورونا وكيفية الحفاظ على الصحة مع التوجيه على كيفية الاستمرار بالعملية التعليمية.

أهمية الإرشاد وغيابه

برزت صعوبة تعامل أكرم مع ابنته يارا، في تقلب المزاج بين الغضب والهدوء والوحدة والابتعاد عن العائلة لساعات، مع حاجتها لاستقلاليتها ساعات محددة كان أساسها التواجد في المدرسة، ما دعا لوجود أحد يتفهم وضعها النفسي الذي أدى لتدني المستوى الدراسي وهو ما تمثله المرشدة التربوية. الابتعاد عن المتنفس الوحيد وغياب المرشد التربوي زاد حالات حدة النقاشات بين يارا ووالدها وعدم تقبلها للنصائح في بعض الأحيان في الوقت الذي قالت فيه بنفسها، أنّ التعليم عن بعد "بزهق مع المنصة وبتفهمش منه إشي". بالطبع كانت تحتاج لزيارة المرشدة التربوية في المدرسة منع ذلك عدم تواصل المدرسة مع الطلبة أو ضرورة التواجد الدائم لحضور الحصص، ما خفض حماسها للدراسة بعد مرور شهرين على عملية التعلم عن بعد. أما تالا فتأسف لصراحتها بأنّ المرشد التربوي كان يصعب التعامل معه قبل الجائحة، وكانت المدرسة تواجه ضعفاً في الإرشاد التربوي حتى مع طلبة الثانوية أنفسهم. يندرج الإرشاد النفسي والتربوي تحت بند الرعاية والحماية التي تتخذها الدول لضمان الحفاظ على رفاه الطفل الواردة في الفقرة 2 من المادة الثالثة لاتفاقية حقوق الطفل. كما يعد الإرشاد التربوي من خلال التواصل المباشرة مع الطلبة، أحد أبرز الجهات المساهمة عن تعرض الأطفال للعنف الأسري والذي ارتفعت أرقامه خلال جائحة كورونا وفترة الحظر الشامل، وفق الكاتبة الصحفية المختصة بشؤون الطفل نادين النمري. من وجهة نظرها، فإنّ الأطفال شهدوا محدودية في الحركة ما زاد الضغوطات الكبيرة عليهم، ما استوجب إعداد جلسات وجاهية فردية مجدولة بين الطلبة والمرشدين، حتى يتمكنوا من التعامل مع مشاعر الغضب والتوتر والعزلة الاجتماعية وحالات الإصابة والوفاة بالفيروس. وتزيد النمري أنّ الطلبة زاد استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي ما يستدعي توعية لكيفية التعامل مع الانترنت والأجهزة الذكية واللوحية لساعات طويلة، فضلاً عن ضرورة توعية الطلبة قبل عودتهم إلى المدرسة والتعليم الوجاهي القائم حالياً لطلبة الصفوف الأولى. من جهتها، تؤكد المرشدة التربوية سناء درادكة، أنّ التواصل لم يقتصر على الطلبة وإنما امتد في بعض الأوقات للأمهات وأولياء الأمور دون الوصول إلى الجميع عبر المنصات أو اللقاءات عبر تقنية "زووم" خاصة لأنّ الفاقد التعليمي لم يكن هيناً على الطلبة، علماً أنّ العديد منهم لم يستطع الوصول إلى منصة درسك. نظمت المرشدة عدة جلسات مع الامهات والطلبة تركزت بإقناعهم أنّ التعليم مستمر وحتى إن كان عبر المنصة مع ضرورة التقيد بإجراءات السلامة العامة والصحة للوقاية من الفيروس، كما شددت على الامهات بعدم جعل كورونا "الوسواس" الدائم الذي قد يؤثر على نفسية الطلبة مع الجلوس الطويل في المنزل. "الطلاب مرات بسألهم إذا بتحبوا البيت أو المدرسة بقولوا المدرسة ومتشوقين يرجعولها، الضغط النفسي عليهم كبير والمشكلة إنه مش صعب نحكي غير بمجموعات وعن طريق الزوم" يشتاق الطلبة إلى المدرسة، خاصة وأنّ حظر التجوال ساهم بإبقاء الطلبة داخل المنازل ما شكل لهم ضغطاً نفسياً أبعدهم عن المتنفس الوحيد للعديد منهم وهو المدرسة. وفق الموقع الرسمي لوزارة التربية والتعليم فإنّ آخر إحصائية للمرشدين التربويين كانت بالعام الدراسي 2018 -2019 حيث يبلغ عددهم المجال في مختلف المدارس 2021 ينقسمون لـ854 ذكورا و 1167 إناثا، يندرج تحت وظائفهم ما يلي: البنائية التي تعنى بتعريف الطالب ذاته والعالم المحيط به ومهارات السلوك الاجتماعي ثانيها الوقائية تشمل تنمية إمكانات الطالب بهدف تجنب الوقوع في المشكلات وتطوير قدراته للتعامل مع المواقف المختلفة، والأخير تتمثل بالوظيفة العلاجية تتضمن تقديم المساعدة الفنية للطالب لحل مشكلاته والتغلب عليها، ومساعدته على توجيه ذاته للتغلب على الصعوبات في المستقبل. يؤكد المحاسيس أنّ الاولوية العليا لمرحلة التعلم عن بعد كانت تندرج في إبقاء التعليم مستمراً وإقناع الطالب بذلك والعمل على حمايته من الفيروس فلا يمكن جمع الطلبة في المدرسة والتعليم عن بعد يبقيهم بعيدين عن الإصابة بالفيروس. ووفق المحاسيس فقد أطلقت الوزارة برنامج الدعم النفسي والاجتماعي يراعي الخصائص النمائية للطلبة بالصفين الأول والثاني الأساسيين، لأجل القيام بخطوات إجرائية، مع عودتهم للتعليم الوجاهي. كما تم تدريب 42 رئيس قسم إرشاد تربوي في كافة مديريات التربية والتعليم بمختلف المحافظات، الذين بدورهم نقلوا التدريب إلى المرشدين في المديريات، دون أي إحصائية لعدد الجلسات التي انعقد.

لماذا يغيّب المرشد التربوي

الطالبتان يارا وتالا تتفقان على أن غياب فعالية المرشد هي من قبل الجائحة خاصة وأنّ المرشد أو المرشدة، قد يخصص لـ500 طالب أو طالبة معاً في وقت لا تستطيع إحدى الطالبات الانفراد بمكتب المرشدة للحديث معها بعمق، علماً أنّ المدارس التي تقل عن 200 طالب لا تحوي مرشداً تربوياً. في الوقت الذي قامت به بعض المدارس الخاصة باستمرار متابعة المرشد التربوي مع طلبتها والتأكيد على الطلبة للدخول على المنصة التعليمية وأسباب عدم تواجده، لم تعمل وزارة التربية على هذا الجانب لعدم وجود المرشدين في كافة المدارس أو صعوبة التعامل مع الطلبة وفق الكاتبة النمري. تضيف النمري أنّ بعض المدارس تعتمد على المعلمين المفضلين للطالب نفسه أو مربي الصفوف مستذكرة أنّ أحد أبنائها شاهد "فيديو" خياليا عبر إحدى مواقع التواصل الاجتماعي واعتقده حقيقياً إلى أن ساعدته معلمته على أنّ ذلك هو مجرد فيديو غير حقيقي أو واقعي. تشير الدرادكة إلى أنّ المعنى المنتشر عن المرشد أو المرشدة التربوية، بتأديب الطالب فقط وفي بعض الأحيان قد يستعين بالعصا أو يقتصر عمله على الأمور الإدارية كمساعدة سكرتير مدير المدرسة، رغم المهام الفنية الواضحة من قبل وزارة التربية لمسماها الوظيفي التي تتضمن الإرشاد الأسري وزيارة أهالي الطلبة لتبادل المعلومات والضغوطات التي يتعرض لها الطالب وكيفية العمل على تكسيرها. "المرشد بالمعروف عنا مصلح اجتماعي، اذا شاف الطالب غلط بسأله أحكي لأبوك والا لأ؟ واذا كان لطيفا بحكيله أهلك مؤدبين ومحترمين ليش تعمل هيك". بحسب قول الدرادكة، التي ترى أنّ التهيئة النفسية إحدى أكبر المهمات المسؤولة من قبل المرشد أو المرشدة. وتنوه إلى أنّ الأساس العلمي يغيب عن الكثير من المرشدين التربويين لغياب تفعيله الحقيقي والمعنى الأصيل المعروف لدى الطلبة، رغم حصول كافة المرشدين على شهادات جامعية بالتخصص. في هذا الجانب يبين المحاسيس أنّ الوزارة ستركز بشكل كبير على تطوير المرشدين التربويين بعد الجائحة وخلالها، دون أن تقدم وعوداً بزيادة أعدادهم، مشيراً إلى أنّ الجائحة لم تساعد على تطبيق كل المعاني المقصودة من المرشد نفسه. كما يؤكد أنّ المرشدين عملوا على برنامج متكامل لعودة الطلبة للتعليم الوجاهي، والعمل على توجيههم حول البروتوكول والتباعد وارتداء الكمامات والتكيف مجدداً مع المدرسة والتعلم الوجاهي.اضافة اعلان