على مر السنوات القليلة الماضية، شهد العالم زيادة مقلقة في تواتر وشدة الكوارث المرتبطة بالمناخ. وكان لهذه الأحداث المترتبة في الغالب عن الانحباس الحراري أثر عميق على قطاع الزراعة، لا سيما في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي حيث يطغي "المناخ الحراري" في طابع الحال على معظم أراضي المنطقة.
وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، سيتطلّب إطعام ما يقدّر بنحو 10 مليارات من سكان العالم بحلول عام 2050 زيادة بنسبة 56 ٪ في إنتاج الغذاء العالمي. ومن شأن ذلك أن يضع ضغوطاً هائلة على قطاع الزراعة، إذ قد تعيق تلك التحديات قدرة المزارعين والأراضي على التكيّف لضمان تحقيق الأمن الغذائي للأجيال القادمة.
يمثّل الذكاء الاصطناعي إحدى الأدوات الواعدة في مجال مكافحة تغيّر المناخ، إذ تتميّز هذه التكنولوجيا بقدرتها على إحداث ثورة في عالم الزراعة من خلال تعزيز إدارة الموارد وزيادة إنتاجية المحاصيل ومساعدة المزارعين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة.
تحديات التغيّر المناخي في دول مجلس التعاون الخليجي
تتعرّض منطقتنا بشكل خاص لأثر التغيّر المناخي وذلك بسبب طقسها الجاف وندرة المياه واعتمادها الكبير على الواردات الغذائية. لذلك، يواجه قطاع الزراعة في دول الخليج العديد من التحديات. تطغي الطبيعة الصحراوية في المنطقة على الأرضي وتتدنّى مستويات الموارد الميائية العذبة، إذ تستهلك الزراعة ما يصل إلى 85 ٪ من إجمالي إمدادات المياه، مما يزيد من تعقيد عملية الحفاظ على الإنتاج الغذائي المستدام.
تسود التربة المالحة والرملية في منطقة الخليجي، مما يؤدي إلى انخفاض في خصوبة التربة بشكلٍ عام. إن الإفراط في استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية والكيماويات الزراعية الأخرى يؤدي أيضاً إلى تدهور صحة التربة.
تشهد المنطقة إحدى أعلى درجات الحرارة على مستوى العالم، مما يؤثر سلباً على نمو المحاصيل وإنتاجيتها. ومع تقدم وتيرة التغيّر المناخي، من المتوقع أن يزداد تواتر وشدة موجات الحر، مما يشكل المزيد من التحديات على قطاع الزراعة. وقد يؤدي تغيّر المناخ أيضاً إلى انتشار الآفات والأمراض، مما يهدد إنتاجية المحاصيل والأمن الغذائي.
تستورد دول المنطقة ما يصل إلى 85 ٪ من احتياجاتها الغذائية، إذ يعرّض هذا الاعتماد الكبير على الواردات الغذائية المنطقة لتحديات جمّة من حيث التعامل مع تقلبات الأسعار العالمية واضطرابات سلاسل التوريد.
ومن أجل مواجهة هذه التحديات وضمان الأمن الغذائي في الخليج، يمكننا تسخير قوة الذكاء الاصطناعي للارتقاء في قطاع الزراعة عبر العديد من الطرق.
الزراعة الدقيقة
تُعنى الزراعة الدقيقة باستخدام التقنيات المتقدمة لترشيد المدخلات الزراعية وتعزيز إدارة الموارد. تساعد الحلول التي تعمل بنظم الذكاء الاصطناعي المزارعين على مراقبة صحة التربة وسبل استخدام المياه وظروف المحاصيل في الوقت الفعلي، مما يمكّنهم من اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتقليل النفايات. على سبيل المثال، توفّر خوارزميات الذكاء الاصطناعي أداة قوية لفحص البيانات الصادرة عن صور الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار وأجهزة استشعار إنترنت الأشياء، وذلك لتحديد الكمية المثلى من المياه والمواد الغذائية المطلوبة لكل محصول زراعي. لا يحافظ ذلك على الموارد الطبيعية القيّمة فحسب، بل يعزّز أيضاً الممارسات الزراعية المستدامة.
التنبؤ بغلّة المحاصيل
تعد التنبؤات الدقيقة لغلّة المحاصيل أمراً ضرورياً للمزارعين، تساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المحاصيل الواجب زراعتها وموعد حصادها. من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للمزارعين الاطلاع على البيانات التاريخية وأنماط الطقس وعوامل أخرى للتنبؤ بغلّة المحاصيل بدقة أكبر مقارنةً بالطرق التقليدية. ويمكن أن تساعدهم تلك المعلومات أيضاً في تخطيط استراتيجيات الزراعة الخاصة بهم بشكل أكثر فعالية، مما يقلل من احتمالية فشل المحاصيل بسبب تغيّر المناخ.
الكشف المبكر عن الآفات
يعد الكشف المبكر عن الآفات والأمراض أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على المحاصيل. إن تقنية التعرّف على الصور والتي تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي لها القدرة على دراسة مضمون الصور التي تم التقاطها من خلال الطائرات دون طيار أو عن طريق أجهزة الاستشعار عن بعد، وبالتالي تحديد علامات تفشّي الآفات بسرعة فائقة. ومن خلال تلك المعطيات، يمكن للمزارعين اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب مثل استخدام مبيدات الآفات المستهدفة أو تنفيذ تدابير أخرى لمكافحة الأوبئة، وذلك لغرض التصدي لتلك الآفات والحد من نسبة تلف المحاصيل والحفاظ على الإنتاجية الزراعية بشكلٍ عام.
تنمية المحاصيل المقاوِمة للمناخ
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً فاعلاً في تطوير أصناف مبتكرة من المحاصيل المقاوِمة للمناخ والقادرة على تحمّل الظروف الجوّية القاسية مثل الجفاف والفيضانات ودرجات الحرارة المرتفعة. كما أن تسخير الذكاء الاصطناعي لغرض تحليل البيانات الوراثية للنباتات يتيح لنا فرصة تحديد سمات نباتية معيّنة مرتبطة بالمرونة المناخية، وبالتالي مساعدة المزارعين على تطوير أصناف جديدة من المحاصيل بشكل أكثر كفاءة.
تعزيز سلسلة التوريد
يمكن تعزيز العمليات التي تقوم عليها سلاسل التوريد من خلال جمع وتحليل البيانات الضخمة بواسطة الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، باستطاعة خوارزميات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالطلب على صنف معيّن من الغذاء بناءً على بيانات سابقة، مما يسمح للمزارعين وتجّار التجزئة بتعديل استراتيجيات الإنتاج والتوزيع الخاصة بهم وفقاً لذلك. ويساعد هذا في الحد من نسبة هدر الطعام وتحسين كفاءة الموارد وضمان توافر الإمدادات الغذائية الأساسية في الخليج بشكل مستدام.
يواجه العالم اليوم مستقبلاً مقلقاً بسبب التغيّر المناخي، فمن الضروري للحكومات والشركات والباحثين التعاون والاستثمار في الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل الارتقاء بقطاع الزراعة إلى مستويات أكثر مرونة واستدامة.
*الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا الهندسة البيئية (EnvEnTech)