أحلام الهجرة والواقع والخيال تتحول في "فوي فوي فوي"، الفيلم المصري لكوميديا سوداء، من وحي قصة حقيقية أحدثت ضجة في أيلول (سبتمبر) 2015، حيث شاع خبر هروب أعضاء منتخب مصر من بطولة العالم في "كرة الجرس" للمكفوفين التي تقام في بولندا.
"فوي فوي فوي"، هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجه عمر هلال، والذي رشحته مصر لأوسكار 2024، أحدث ضجة قوية مؤخرا، فما هي قصته؟
من واقعة حقيقية لقصة سينمائية
في عام 2015، سافر فريق من الرياضيين المصريين المكفوفين إلى بولندا للمشاركة في بطولة لكرة الهدف، وهي رياضة مصممة خصيصًا للمعاقين بصريًا. لكن مع وصول الفريق إلى بولندا، اختفى عدد من لاعبيه.
وسرعان ما أصبح من الواضح أنهم استخدموا بطولة كرة الهدف كوسيلة للوصول إلى أوروبا. والأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أنه تبين أنهم لم يكونوا حتى ضعاف البصر.
من هذه القصة خرج "فوي فوي فوي" للنور والذي يعرض في سينما "تاج"، الذي يروي قصة حسن (محمد فراج) شاب طموح ولكنه معدم، يعمل حارسًا لأمن موقف السيارات. منذ بداية الفيلم، يصبح من الواضح أنه على استعداد لفعل أي شيء للهروب من الحياة اليومية التي يشعر بأنه غارق فيها.
يستغل حسن الفرصة للانضمام إلى الفريق، على أمل السفر إلى أوروبا، فيما يواجه الفريق العديد من المشاكل في بولندا، منها صعوبة التأقلم مع البيئة الجديدة، والتعرض للتمييز، والمطاردة من قبل الشرطة. يحاول حسن التغلب على هذه المشاكل، ويساعد الفريق على تحقيق الفوز في البطولة.
العلاقة بين التصوير والبيئة
من واقع حياة حسن المهمشة والأحلام المنكسرة التي تحملها شخصية حسن تنعكس على الصورة في الفيلم في الحي الفقير، البيئة المظلم، الحياة الرتيبة البسيطة وحتى تفاصيل الحياة اليومية لحسن وأصدقائه ومشاعرهم بالضيق والاختناق والاكتئاب وقلة الحيلة، خاصة مع الأماكن الضيقة والألوان المعتمة.
فيلم مصنوع للترفيه، ولكن يعكس واقع الحالة دون الدفاع عنها، وفي حين أن بعض من شخصياته قد تميل للسطحية، لكن شخصية حسن واضحة منذ البداية بدوافعها وتتقاطع بشكل مباشر مع الشخصيات الأخرى، حيث يمزج بين الفكاهة والترفيه مع جرعة كبيرة من الدراما ليكشف عن أكبر التحديات، وبينما يستكشف الفيلم التحديات التي تواجهها فئة معينة من الشباب في مصر، فإن اختياراتهم تتأثر بشدة بفقرهم وظروفهم الصعبة، والتي تنطوي أحيانًا على قرارات غامضة من الناحية الأخلاقية.
لكن اللافت أن للفيلم نكهة مصرية خفيفة الظل، حيث احتفظ بالرغم من صعوبة القضية التي يناقشها وواقع الشخصيات المرير بكوميديا طريفة تولد ضحكات متتالية وكأن "شر البلية ما يضحك"، موظفا الفكهاهة لمعالجة المواقف الحياتية الصعبة دون الانغماس بالتحديات التي تعيشها الشخصيات.
أداء تمثيلي ممتع
"فوي فوي فوي"، من بطولة محمد فراج ونيللي كريم وبيومي فؤاد وطه الدسوقي وأمجد الحجار ومحمد عبد العظيم وحنان يوسف، تعكس تلك الشخصيات ارتباطها بمحيطها بعمق، وتعاطف مع دافعها الحقيقي والتي عكست دواخلها.
ومهما كانت تلك الشخصية قد وقفت وارء قرارات خاطئة ولكنها ارتبطت بواقع مرير هربت منه لتحقق أحلامها.
الهجرة لا تعني الخلاص
يقدم المخرج عمر هلال في مجريات الفيلم سريعاً أساليب مختلفة قد يسلكها المصريون للخروج، منها الزواج بامرأة أجنبية قد تكبرهم بأكثر من 40 عاما، أو القفز في مراكب الهجرة غير الشرعية في البحر، مع كل ما تتضمنه هذه المغامرة من أخطار ونتائج.
وفي الفيلم خطة حسن وأصدقائه ناقشت ذلك، فتارة يفكرون في عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا، حيث سيتظاهرون بأنهم لاجئون سوريون غير قادرين على العودة إلى بلدهم.
الخطة خطيرة ومليئة بالشكوك. يمكن أن يغرقوا أو يمكن اكتشافهم بواسطة كلاب الحراسة. ويمكن أن يتعرضوا للهجوم من قبل آخرين يحاولون شق طريقهم من أفريقيا إلى أوروبا.
وحتى لو تغلبوا على كل الصعاب وشقوا طريقهم إلى إيطاليا، يمكن للسلطات أن تكتشف أنهم مصريون في الواقع وتعيدهم إلى البلاد. والنتيجة هي رحلة محفوفة بالمخاطر قد تضيع سدى من أجل لا شيء.
إن المعالجة الدرامية في "فوي فوي فوي"، تمنحه ذلك العمق وروح الفكاهة التي يحتاجها وتثير دوافع أفعال حسن وعواقبها الضحك بسهولة، لكن بالرغم من ذلك يحدث ما لا نتوقعه على الإطلاق.
وما يثبته الفيلم هو أن يمكن للكوميديا أن تناقش القضايا الحساسة بطريقة ممتعة وتلامس قلوب المشاهدين حتى تضحكهم بالرغم من واقعهم المرير، وهو ما نجح "فوي فوي فوي" بتحقيقه.