عزيزة علي
عمان- أقامت لجنة القصة والرواية في رابطة الكتاب الأردنيين، أول من أمس، أمسية قصصية، قرأت فيها القاصة د.نهلة الجمزاوي عددا من قصصها المنشورة في مجموعتها "يدفنون النهر"، الصادرة عن دار فضاءات، عمان، وتشتمل هذه المجموعة على تسع وأربعين قصة قصيرة، وقصيرة جدا.
شارك في هذه الأمسية التي أدارها القاص محمد مشه مقرر لجنة القصة والرواية في الرابطة، وتحدث كل من: الناقدة د. أسماء سالم، وأمين سر رابطة الكتاب الأردنيين الناقد محمد المشايخ، الذي رأى أن الجمزاوي اتخذت من فن القصة القصيرة وسيلة من وسائل الوعي والتنوير في مواجهة قوى الاستبداد والظلام، فهي تسيس فن القصة، وتضخ فيه حمولة فكرية ووطنية، لإدانة الذين يتطاولون على المعذبين في الأرض وعلى حقوقهم المهدورة، من دون أن تتجاوز جماليات فن القصة.
وعن القصص القصيرة جدا في هذه المجموعة، قال المشايخ: "نجحت الجمزاوي في تشكيل الكلمات والصور الحسية، من دون الالتفات إن كان ما تكتبه موجها للنخبة أو للعامة، بما أن الحمولة الفكرية التي تتضمنها قصصها ملتزمة بالهم العام، ولديها تقنيات أخرى كالتلوين الأسلوبي، التشخيص والتجسيد والرمز، والإيماء، والتلميح، والإيهام، الذي لا يحجب الهدف الإنساني السامي الذي تتضمنه كل قصة".
ورأى المشايخ في قصة "مارد الحكاية"، تلتقي الجمزاوي مع الفلسفة التي وردت في إحدى الأساطير اليونانية القديمة، والتي اتكأ عليها كل من المصري "توفيق الحكيم"، والإيرلندي "برناردشو"، في مسرحية كل منهما، والتي حملت عنوان "بجماليون"، من دون أن تتأثر بتلك الفلسفة أو بما جرى في تلك المسرحية، ولأن الخلق والابتكار من أهم مواصفات قصة ما بعد الحداثة، فقد ابتكرت الجمزاوي، في قصتها التي حملت عنوان المجموعة، مهنة دفن الأنهار، فتخرج شخصيات القصة على شكل جوقات ليحفروا في ليلة واحدة قبرا ليدفنوا به نهرا طويلا وضخما.
ورأى المشايخ أن حركة القص عند الجمزاوي، جمعت بين المادي والمعنوي، وصاغة بأسلوب يتأنسن معه المجرد، ويتجرد المـُشخص، لا سيما حين كانت التداعيات والمونولوجات الداخلية تُصرح بما في أعماق الشخصية الحكائية، وتضع أمامنا مكنوناتها الداخلية، وتصف علاقاتها مع الواقع الخارجي المحيط بها، سواء في بداية القصة، أو عند حبكتها، أو نهايتها، فعناصر الدهشة تتلاحق منذ البداية وحتى النهاية.
ومن جانبها، رأت الناقدة د. أسماء سالم أن مجموعة "يدفنون النهر"، تقف على هموم الوطن والإنسان والإنسانية، وتدهور الأحوال السياسية والاجتماعية، والتسلط على معاني الحياة وقيمها من حب وجمال وخير وسلام، مُنفتحة على الواقع وما فوقه، كما أنها تفيض بعالم خصب من الحكايا التي تقف على الذاكرة وتستدعي أعماقها، في جو ينز ألما من غرائبية الواقع وأحداثه التي جاوزت حد المعقول؛ وعمل فني مائز وجدير بمعاودة القراءة والترجمة إلى غير لغة.
المجموعة جاءت في تسع وأربعين قصة، وبينت سالم أنها تشكيل تمايز بين "الواقعية والغرائبية"، كما تفيض برؤى عميقة فلسفية؛ حيث قامت القاصة بمحاولة تجريبية جادة، تسير في منظومة فنية ممنهجة، ذات أبعاد نفسية ذاتية، وفلسفية، وإنسانية شمولية، تتمحور حول الحاجة إلى الثورة والجرأة.
وقالت سالم إن الجمزاوي مزجت في هذه المجموعة الخاص بالعام، وتناولت هموما ذاتية وإنسانية، فردية وجمعية كـ"جرائم الحرب والتبعية، والاحتلال والعنصرية، والأسْر والشهادة واللجوء، والحلم بالعودة"، كما في (جسر النار)، وتشظي الذات العربية، والفقر، والعجز، والحرمان من الحرية.
وخلصت سالم الى أن عتبة الغلاف انسجمت مع اللوحة ذاتها المعبرة عن معاني الخوف والذهول في ملامح امرأة، لافتة الى أن فعل الكتابة عند القاصة هو أداة بوح ونضال بالكلمة، لذا استثمرت قدراتها في التعبير عن القضايا الإنسانية وأدانت الواقع كما في قصة (اجتماع)؛ حيث جسدت معاناة الإنسان عامة والفلسطيني خاصة، مُوظفة بعض الموروثين الديني والشعبي كقصة "يوسف عليه السلام".
تلا ذلك، قرأت الجمزاوي مجموعة من القصص منها قصة بعنوان "يدفنون النهر"، جاء فيها "خرجوا على شكل جوقات من دون أن يحدثوا صوتاً لكي لا يستفيق أحد من الناس فيرى ما يفعلون، ولما وصلوا بدؤوا بحفر قبر كبير.
صرخ كبيرهم:
وسعوا القبر ومدوه نحو الغرب، أجل نحو الغرب، إنه طويل وضخم، وهذا القبر لا يستوعب جثمانه.
التفت إليه أحدهم والعرق يتصبب من وجهه قائلاً:
نحتاج لوقت طويل يا سيدي كي ننجز المهمة.
أجابه كبيرهم على الفور:
ليس لدينا وقت، يجب أنْ ندفنه الليلة وننتهي منه.
فغر الرجل فمه.. ثم ألقى بمجرفته بعيداً وصرخ به:
أمجنون أنت!! نهر بهذا الطول وهذا الحجم وهذا الجريان الذي لا يتوقف، نستطيع نحن أن نحفر له قبراً وندفنه في ليلة واحدة؟!
حملق فيه كبيرهم غاضباً.. وهو يدنو منه ثم أمسكه من تلابيبه وهزه بغضب قائلاً:
يبدو أنك لا تجيد مهنة دفن الأنهار؟".