"حنين" رواية للأسير نصاصرة توثق نضال الشعب الفلسطيني

غلاف الرواية- (من المصدر)
غلاف الرواية- (من المصدر)
عمان- يقول الناقد الأكاديمي الدكتور مفيد عرقوب: "إن رواية "حنين"، للأسير عاهد حسن يوسف نصاصرة المحكوم بالسجن 29 عامًا، والمعتقل منذ العام 2002، هي رواية توثق لأحداث مر بها الشعب الفلسطيني في حقبة زمنية مهمة من سنوات نضاله، وتؤرخ للانتفاضة الأولى العام 1987، التي فاجأت قادة الاحتلال وأفقدتهم صوابهم، كما وثقت هذه الرواية لبعض الظواهر التي رافقت الانتفاضة كظاهرة "المطاردين".اضافة اعلان
جاء ذلك في تقديم عرقوب للرواية التي أصدرها الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينين، رام الله، فلسطين، بعنوان "حنين"، مشيرا إلى أن "الأنا"، الساردة في هذه الرواية تستمر في توثيق الأحدث؛ لأن السارد مشارك في الأحداث وليس محايدا، بل هو يمثل فئة ثورية برزت إبان هذه الانتفاضة وهي فئة "المطاردين".
يتابع عرقوب حديثه عن السارد: هنا أصبح الروائي كأنه هو السارد لأحداث الرواية ولسيرته الذاتية في الوقت ذاته، فتحول إلى قطب الرحى ورأس الرواية وعمودها الفقري، مبينا أن السردية الفلسطينية متميزة ولها خصوصيتها التي تنفرد بها عن غيرها من السرديات، في انطلاقتها وعدم تقوقعها في عناصر الرواية الكلاسيكية المعروفة، التي تتمثل في الزمان والمكان والشخصية والحدث.
ويرى عرقوب، أن الزمن في رواية "حنين"، ليس زمنا عاديا؛ فزمن "المطاردين"، هو غير الزمان في رواية مثل رواية "الأم لمكسيم غورغي"، ولا يشبه زمن "زقاق المدق"، لنجيب محفوظ، ولا زمن "الثلج يأتي من النافذة"، لحنا مينة، موضحا أن ما يضفي الخصوصية على السردية خاصة، وعلى السردية الفلسطينية عامة هو "ديناميكية الحركة المتواصلة التي لا تتوقف"، مما أخرج المكان من جموده وثباته، ووضعه في دائرة الحركة المتواصلة فزاد من أهميته ومكانته المرموقة في السردية.
ويقول عرقوب: "إنه إذا ما توقفنا عند المكان ومتعلقاته في هذه الرواية نجده مكانا ديناميكيا متحركا يصعب حصره، فالمكان بالنسبة للثائر المطارد ليس ثابتا؛ فثباته فيه العذاب أو الموت الزؤام، وثباته يعني الفشل في الإفلات من قبضة العدو الذي يراقب السكنات والحركات وحتى الأنفاس، عبر شبكة جاسوسية مهمتها رصد حركة الثوار وتتبعها".
ويرى عرقوب أن ما يميز الرواية الفلسطينية هو واقعيتها، فالواقعية صفة ملازمة للأدب الفلسطيني بشكل عام؛ لأن البطولات النادرة والأعمال الخارقة وهي إحدى متطلبات الرواية موجودة عند الشعب الفلسطيني الذي يواجه عقلية عدو شرس مجرم مدجج بالأسلحة الحديثة، وإن مواجهة هذا العدو تتطلب اجتراح بطولات نادرة واستثنائية منقطعة النظير، وهكذا فالسارد الفلسطيني لا يحتاج إلى السباحة في فضاء الخيال كي يعثر على بطولات طوباوية كما يفعل غيره من الروائيين في أصقاع العالم. يكيفه أن يعيش الأحداث الفلسطينية التي تنجب في كل وقت أبطالا يجترحون بطولات حقيقة يصعب حصرها أو تحديد سقفها.
وحول العقدة في رواية "حنين"، يقول عرقوب: "العقدة الرئيسية تتمثل بعودة (حنين)، التي تركت في نفس البطل أثرا لا يمحى مع مرور الزمن، إذ عادت مع أهلها وقد أنهت دراسة الطب، فتملكته رغبة جامحة للقائها والتواصل معها، فتم له ذلك عبر بطل روايته، العم عبد الجبار، الذي تحول إلى طير مراسلة ينقل الرسائل المتبادلة بينهما، تلك الرسائل التي عبرت عن حب عميق متبادل قادهما إلى لقاء بعد طول غياب تم في فناء منزله كان له بالغ الأثر في تأجيج نار الحب المستكن في قلبيهما. حيث تتغير حياة أسامة المطارد فيصح لها معنى، ويتمنى أن يتزوج من هذه الفتاة التي هام بها، وقد تزامن ذلك مع الحوار الذي كان دائرا بشأن تسوية أوضاع المطاردين وفق اتفاقيات بين السلطة الوطنية وإسرائيل".
يتابع عرقوب عندما ذهب العم عبد الجبار لجس نبض أهل حنين وطلب يدها لأسامة، عاد العم عبدالجبار بوجه متجهم ينذر بمفاجأة ليست سارة، وفي هذه اللحظة وهي ذروة التأزم في الرواية، جن جنون أسامة ليعرف على وجه السرعة بما حدث. وأخيرا عرف بموت حبيبته على يد أخيها المتعصب المتمسك بعادات المجتمع نتيجة وشاية قام بها العميل رائد الذي شاهد الحبيبين يتناجيان في فناء منزل أسامة، ورغم براءة اللقاء، إلا أنه نسج رواية من بنات أفكاره ضلل بها شقيق حنين وحرضه عليهما، فما كان منه إلا أن دفعها بقوة، فسقطت على الأرض جثة هامدة لا حراك فيها.
ثم يتحدث عرقوب عن مكونات الرواية ويقول: "إن الرواية ببنائها وبنيتها وأسلوبها وعناصرها الزمانية والمكانية وأحداثها وحبكاتها وعقدها وذروات تأزمها وشخصياتها ورموزها وحركاتها وسكناتها وأمثالها الشعبية وتشبيهاتها الشعبية وألفاظها الموروثة ومبانيها الملتحمة بمعانيها سبكا وحبكا، احتشدت والتحمت مع بعضها البعض، فأنجبت رواية "حنين"، رواية متميزة من الطراز الرفيع"، فالعنوان له إيقاع سلس عذب، فـ"حنين"، هي معشوقة البطل، ونكاد نشم من رائحة هذا الاسم "حنين"، الحزن والألم، وهو ما يتناسب مع ما مرت به العلاقة بين العاشقين من حواجز وصعوبات".
ويقول عرقوب: "إن الروائي اختار هذا الاسم لروايته إنما ينسجم مع مدلول الرواية فـ"حنين"، فتاة فلسطينية تحب المرح مع أقرانها من الأطفال تلهو وتلعب في الحقول، وقد قبض عليها متلبسة وهي تلعب مع ابن جيرانها، وهو بطل الرواية أسامة، فقد تعرضت لأذى من الأهل والمجتمع، فما كان من أهلها إلا الرحيل عن البلاد هروبا من ألسنة الناس وتماشيا مع عاداتهم العمياء. أما الطفل أسامة، فكان عليه مواجهة الأهل والجيران وزملاء الدراسة والمجتمع بأسره، نبذا وتعذيبا وتحقيرا، إنها وصمة عار ظلت تلاحقه طوال سنين حياته".
وتوالت الأحداث واندلعت الانتفاضة العام 1987، وانخرط البطل أسامة وشارك فيها ما جعله يتعرض للملاحقة من قبل الاحتلال، فانضم لفئة المطاردين الهاربين من بطش الجلاد ومحاكمه العمياء، فعاش حياة البرية في الجبال والتلال والوديان شريدا طريدا، ومن هناك تابع ورفاقه نضالهم ضد الاحتلال وأعوانه، كل ذلك جاء في سياق سردي متماسك، أرخ لحقبة زمنية من عمر نضال الشعب الفلسطيني. وبهذا فإن بطل الرواية قد مرت عليه سنون جماد جلاد بدأت منذ نعومة أظفاره كما مر، وانتهت به مشردا في البراري والوديان والجبال.
ويشير عرقوب إلى الدور الذي يقوم به "العم عبدالجبار"، الذي هو البطل الملهم للكاتب عن هذا الهول العظيم والعذاب المقيم بقوله: "لا أعلم يا بني من أين تكالبت عليك كل هذه المآسي، كأنك منذور للعذاب، وكأن الكون خلا إلا منك حتى تتلقف كل المصائب التي تمطرها السماء، لا أدري من أين لك صبر وجلد على كل هذا، والله لو كانت مكانك هذه الصخرة الصماء الجلمود لتفتت واستحالت إلى غبار".
يتوقف السارد عند الانتفاضة التي انخرط فيها، وعند بعض الظواهر التي برزت آنذاك كظاهرة الملثمين وكيفية التعامل مع ظاهرة العملاء، ويقيم حوارا مطولا بينه وبين ملهم روايته العم عبد الجبار الذي يمثل صوت الوطنية وصوت الحكمة، ثم تراه يتوقف عند اتفاقية أوسلو ويتناول الآراء حولها ووقف عند السلبيات التي تمخضت عنها.
ويرى عرقوب، إن النسيج الروائي كما هو معروف يتكون من ثلاثة عناصر هي "السرد، الوصف، والحوار: حيث إن السرد يقع في تقديم الأحداث مع ضمان ارتباطاتها وتتاليها، أما الوصف فيتناول السمات الداخلية والخارجية لعناصر الزمان والمكان والشخصيات، أما الحوار فهو جزء من السرد ووسيلة لاستعراض أحداث الرواية والتخفيف من رتابة السرد، وجعل النص أكثر واقعية. لافتا إلى أن نصاصرة قد نجح في ربط هذه العناصر الثلاثة ببعضها البعض في علاقة عضوية يصعب فصم عراها.
وخلص إلى أن ما يميز السردية في هذه الرواية عن غيرها من السرديات هو الاتكاء على الموروث الشعبي، ولقد استطاع الروائي عاهد نصاصرة بذوقه وفطرته السليمة وبصيرته الاستشرافية وروحه المبدع أن يحافظ على الأصالة في الإبداع، وذلك من خلال استحضار التراث الشعبي ليبثه في عروق روايته الناسغة، وإن أبرز ما يميز ذلك هو كثرة الأمثال الشعبية فيها، فأينما وليت وجهك في هذه السردية تجد الأمثال الشعبية تحيط بها من جميع أقطارها، بل نراه اختتم روايته بمثل شعبي بقوله "حزنه يبكي الصخر"، ولعل ذلك هو ما أضفى عليها بهاء وجمالا وجلالا، ومن الأمثال الشعبية المستخدمة في هذه الرواية قوله "غايب فيلة، كالأطرش في الزفة، من شب على شيء شاب عليه، فرخ البط عوام، الطبع يغلب التطبع، من شابه أباه ما ظلم، والتكرار يعلم الحمار، وأنت تحسب وغراب البين يحسب، والغريق يتعلق بقشة، وصاحب الحق عينه قوية، ورزق الهبل ع المجانين".. وغيرها.
الأسير عاهد نصاصرة 37عاما، من سكان قرية بيت فوريك قضاء نابلس، محكوم عليه بالسجن 32 عاما أمضى منها 17 عاماً داخل السجن، هرب فيلم فيديو يظهر فيه علاقته الحميمة بطير صغير دربه وعلمه وأصبح صديقاً له، وشوهد وهو يطعم العصفور الذي تسلل إليه يسقيه ويطعمه من فمه.