مثقفون ونقاد يكرمون الشاعر محمد سمحان ويناقشون تجربته الشعرية

جانب من حفل التكريم  - (من المصدر)
جانب من حفل التكريم - (من المصدر)
 في حفل حضره مجموعة من الأدباء والمثقفين؛ أقيم أول من أمس، لتكريم الشاعر محمد سمحان، في مقر المكتبة الوطنية، بحضور مدير عام المكتبة الوطنية د. نضال العياصرة وعدد من المهتمين.اضافة اعلان
نظم التكريم كل من: منتدى المستقبل الثقافي، بالتعاون مع منتدى البيت العربي الثقافي، دارة المشرق للفكر والثقافة، منتدى الجياد للثقافة والتنمية، جمعية شباب أذنا، وصالون مهدي العلمي، وجاء برعاية وزير الثقافة الأسبق د. صلاح جرار.
شارك في الحفل الذي أدارته الدكتورة مرام أبو النادي، الأكاديمي والناقد الشاعر د. راشد عيسى، الروائية عنان محروس، وقدم شهادات حول تجربة سمحان العديد من أصدقاء الشاعر وزملائه ومن عرفه كشاعر وصديق، إلى جانب قراءات شعرية لمجموعة من الشعراء.
د. صلاح جرار، استعرض علاقته مع سمحان قائلا: "عندما كنت في الجامعة الأردنية في سنة أولى، كنا نستمتع بالاستماع لأشعار الطلبة أمامنا في مدرج سمير الرفاعي ومن هؤلاء "محمد سمحان، وليد سيف، عزالدين مناصرة"، وأسماء أخرى.
وأضاف جرار، "منذ ذلك الزمن عرفت سمحان وأصبحت بيننا علاقة صداقة وعمل فهو كان يعمل في العلاقات العامة في الجامعة الأردنية وأيضا في النشاطات الثقافية، لذلك كنا نتشارك معا، مبينا أن سمحان ليس شاعرا أو ناقدا أو صاحب فكر سياسي بل هو كل هذا وذاك، فقد أحبه الناس وقرؤا قصائده ويعرفون عن تجربته الشعرية جيدا، تعلمنا منه الكثير الكثير وما نزال نتعلم منه".
قال راشد عيسى: "إن بداية الشاعر سمحان كانت في حقبة السبعينيات مع نخبة من الشعراء الصادقين في ولائهم الوطني ومشاعرهم العروبية كـ"تيسير سبول، 
عبد الرحيم عمر، محمد سمحان، خالد محادين، حيدر محمود، عز الدين المناصرة"، وقدموا حضورا لافتا للانتباه في وسائل الإعلام الأردني ولا سيما، الإذاعة الأردنية التي سجلت امتيازا عظيما مساندا لنهضة الأردن وكان صوتها مسموعا ومبجلا لدى الإذاعات العربية.
ورأى عيسى، أن كل شاعر من الشعراء المذكورين استطاع أن يترك بصمته الخاصة في مسار شعريته حين غدا الشعر قوة حضارية ناعمة تسهم في تعزيز الهوية والانتماء وتربية الأمل، وقد صادف في تلك الحقبة، أن كان الشعر مواكبا لتحولاته الشكلية ولرغبته في تحقيق إضافة نوعية لأساليبه عن طريق المعمار الجديد في شعر التفعيلة على غرار ما أنجزه "تيسير سبول"، في ديوانه "أحزان صحراوية"، وهو ديوان يجسد الصراع الوجودي وأزمة الذات أمام واقع أسيان.
وأضاف عيسى، في هذا الوقت كان سمحان مشغولا بمقولة: "إن الرؤية الشعرية الجديدة بحاجة إلى نهضة شكلانية جديدة، وهو انشغال ذكي لا يفطن إليه إلا الموهوبون من الشعراء من صناع الحداثة الفنية". فقدم أولى فرائده الإبداعية وهو ديوان "أناشيد الفارس الكنعاني"، وهو ديوان سجل قفزة عالية في المبنى الشعري الجديد، فجميع قصائده مكتوبة وفق شعر التفعيلة في هندسة معمارية رشيقة تتجاوز المبنى التقليدي السائد من شعر الشطرين، وتؤسس كذلك لفن القصيدة/ القصيرة الومضة من جهة، ولقصيدة النوستالجيا أي الحنين لطفولة المكان على غرار قصيدة (حجة) من جهة ثالثة، ولقصيدة التخاطر الإبداعي كقصيدة أناشيد الفارس الكنعاني التي سمي الديوان باسمها، وهي مهداة إلى محمود درويش وتنطوي على مناجاة روحانية ووطنية وإنسانية لامعة.
وقال عيسى: "إن هذا الديوان امتاز باستدعائه للرموز التاريخية التراثية الدينية والاجتماعية، فكلمة أناشيد تحيل إلى النصوص الشعرية في تجلياتها في العهد القديم مثلما نقول نشيد الإنشاد".
أما كلمة فارس، ففيها إحالة إلى البطولة والفروسية النادرة. في حين تشير كلمة الكنعاني إلى الأرومة الأصيلة الأولى لمنطقة الشرق الأدنى القديم التي تشمل فلسطين والأردن ولبنان وسورية، ولكن الثقافة العربية الفلسطينية تستدعي الكنعانية كأيقونة سبق  للوجود التاريخي الأول للفلسطينيين.
وقال عيسى: "إن الفريدة الإبداعية في قصيدة "مزمور"، هي في الطقس الأول وهي قصيدة عشق عارم تشكل مفصلا أساسيا في الحالة العاطفية للشاعر، تمامًا كلحظة اكتمال آدم بحواء. ولذلك منح القصيدة عنوانا تاريخيا يعود إلى سفر "المزامير الأولى"، فعظمة الحالة الانفعالية التوحدية بين العاشق والمعشوق تسامت إلى الآفاق الدينية والميثولوجية القديمة، وكأنه بدء التاريخ العاطفي للإنسان وفي الوقت نفسه تداخلت بالصوفية العلوانية في أعلى مدارج الوجد، كما عرفناها عند ابن عربي والسهروردي، والبسطامي، والنفري، حين تلتبس دهشة القلب على نفسها وتحوز على مكاسب اللهفة اتحاد المهجة بالمهجة وما يفوق قدرة العاشق على توصيف حاله.
أما الفريدة الأخرى، فهي قصيدة كوخ من الأبنوس، تنتمي إلى فضاءات الرومانسية حين يتماهى الشاعر مع أخلاق الطبيعة ويتداخل بمزاجها وسجاياها، ويتوحد بأسرارها وأساريرها. فيصبح الكوخ الذي هو في الأصل من خشب الأبنوس معادلا لجسد الشاعر أو يصبح الكوخ الطبيعي رمزا لكينونة الشاعر نفسه، وبذلك يحل مجاز الشاعر بديلا عن مجاز الطبيعة في جدلية عذبة من الأنسنة والتشخيص حيث يقول: " كوخ من الأبنوس في غابة/ من أضلعي حطبت أخشابه/ وبنيته نغما على نغم/ لقطتها من بوح شبابهْ".
أما الفريدة في قصيدة ثورة الروح، فتمثل خلاصة التجربة الشعورية عند الشاعر وكأنها قطرة الندى التي تنوب عن بحر، والزهرة التي تمثل عشرات الحدائق. إنها قصيدة فلسفية بامتياز يفرغ فيها الشاعر خبراته وآراءه ومواقفه من "الدنيا"، فهو متذمر شاك أسيان محترق بعذاباتها محذر من إغرائها ناقم على أخلاقها، مراجع حساباته معها، موبخ لها عاتب عليها بمرارة والتياع. 
وخلص، إلى أن الفرائد السمحانية جديرة باستحقاق التميز والفرادة وإني لأعدها من عيون الشعر العربي الحديث، فالشعر الخالد لا يقاس بكثرته ولا باتساع حضوره، وإنما بما يكون فيه من رؤى تنتصر للإنسان مكابداته، وبما ينطوي عليه هذا الشعر من جماليات أسلوبية جديدة تجدد مذاقه وتجعله كالأمثال السائرة.
وفي بداية الحفل، عرض فيلم وثائقي عن الشاعر محمد سمحان، الذي شكر المشاركين في هذا التكريم قائلا: "دخلت في الثمانين من عمري وكنت أظن اني أشكو الفقر، أما اليوم وبحضوركم فأشعر أنني من أغنى الناس، هذا الحب الذي لم أكن أتوقعه مع الحضور النخبوي"، مشيرا إلى أن محبة الناس هي الأسمى في هذا العالم". تلا ذلك تقديم د. العياصرة درعا تكريميا للشاعر سمحان.